صفحة جزء
باب المتيمم هل ينفخ فيهما

331 حدثنا آدم قال حدثنا شعبة حدثنا الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجنبت فلم أصب الماء فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت فصليت فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك هكذا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه
قوله : ( باب المتيمم هل ينفخ فيهما ) أي في يديه ، وزعم الكرماني أن في بعض النسخ " باب هل ينفخ في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد للتيمم " وإنما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته ; لأن النفخ يحتمل أن يكون لشيء علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم ، أو علق بيده من التراب شيء له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه ، ويحتمل أن يكون لبيان التشريع ، ومن ثم تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما أن نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير زيادة على ذلك ، فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر أن للبحث فيه مجالا .

قوله : ( حدثنا الحكم ) هو ابن عتيبة . الفقيه الكوفي ، وذر بالمعجمة هو ابن عبد الله المرهبي .

قوله : ( جاء رجل ) لم أقف على تسميته ، وفي رواية الطبراني أنه من أهل البادية ، وفي رواية سليمان بن حرب الآتية أن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك .

قوله : ( فلم أصب الماء ، فقال عمار ) هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر ، وليس ذلك من المصنف ، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها ، وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة بالإسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم ، نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق يحيى بن سعيد ، والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما " فقال لا تصل " زاد السراج " حتى تجد الماء " وللنسائي نحوه . وهذا مذهب مشهور عن عمر ، ووافقه عليه عبد الله بن مسعود ، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في " باب التيمم ضربة " ، وقيل إن ابن مسعود رجع عن ذلك ، وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه .

قوله : ( في سفر ) ولمسلم " في سرية " وزاد " فأجنبنا " وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب عن شعبة .

[ ص: 529 ] قوله : ( فتمعكت ) وفي الرواية الآتية بعد " فتمرغت " بالغين المعجمة أي تقلبت ، وكأن عمارا استعمل القياس في هذه المسألة ; لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل . ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق ، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة ، وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد الطهورين لا يصلي ولا قضاء عليه كما تقدم >[1]

قوله : ( إنما كان يكفيك ) فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث ، والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها ، لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل ، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل كما سيأتي .

قوله : ( وضرب بكفيه الأرض ) في رواية غير أبي ذر فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذا للبيهقي من طريق آدم .

قوله : ( ونفخ فيهما ) وفي رواية حجاج الآتية " ثم أدناهما من فيه " وهي كناية عن النفخ ، وفيها إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا ، وفي رواية سليمان بن حرب " تفل فيهما " والتفل قال أهل اللغة : هو دون البزق ، والنفث دونه . وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل . ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد ، وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون وغيره - كلهم عن شعبة - أن التعليم وقع بالقول ، ولفظهم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض زاد يحيى " ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك " واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم ، وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم ; لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف ، وعلى أن من غسل رأسه بدل المسح في الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار تمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك ، ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة على الضربتين في التيمم ، وسقوط إيجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية