صفحة جزء
3396 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال إسماعيل أخبرني قيس قال أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فقال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن سمعته يقول وقال هكذا بيده بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز وقال سفيان مرة وهم أهل البازر
قوله في الرواية الأخرى ( حدثنا سفيان ) هو ابن عيينة ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وقيس هو ابن أبي حازم .

قوله : ( أتينا أبا هريرة ) في رواية أحمد عن سفيان عن إسماعيل عن قيس قال " نزل علينا أبو هريرة بالكوفة وكان بينه وبين مولانا قرابة قال سفيان : وهم - أي آل قيس بن أبي حازم - موالي لأحمس ، فاجتمعت أحمس ، قال قيس : فأتيناه نسلم عليه فقال له أبي : يا أبا هريرة هؤلاء أنسابك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم ، قال : مرحبا بهم وأهلا صحبت " فذكره .

قوله : ( ثلاث سنين ) كذا وقع وفيه شيء ، لأنه قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر ومات النبي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة فتكون المدة أربع سنين وزيادة ، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري قال " صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة " أخرجه أحمد وغيره ، فكأن أبا هريرة اعتبر المدة التي لازم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة الشديدة وذلك بعد قدومه من خيبر ، أو لم يعتبر الأوقات التي وقع فيها سفر النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه وحجه وعمره ، لأن ملازمته له فيها لم تكن كملازمته له في المدينة ، أو المدة المذكورة بقيد الصفة التي ذكرها من الحرص ، وما عداها لم يكن وقع له فيها الحرص المذكور ، أو وقع له لكن كان حرصه فيها أقوى والله أعلم .

قوله : ( لم أكن في سني ) بكسر المهملة والنون وتشديد التحتانية على الإضافة أي في سني عمري ، ووقع في رواية الكشميهني " في شيء " بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها همزة واحد الأشياء ، وقوله ( أحرص مني ) أفعل تفضيل والمفضل عليه هو أبو هريرة ، لكن باعتبارين ، فالأفضل المدة التي هي ثلاث سنين والمفضول بقية عمره ، ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان عن إسماعيل بلفظ " ما كنت أعقل مني فيهن ولا أحب أن أعي ما يقول منها " .

قوله : ( وهو هذا البارز ، وقال سفيان مرة وهم أهل البازر ) وقع ضبط الأولى بفتح الراء بعدها زاي وفي الثانية بتقديم الزاي على الراء والمعروف الأول ، ووقع عند ابن السكن وعبدوس بكسر الزاي وتقديمها على الراء وبه جزم الأصيلي وابن السكن ، ومنهم من ضبطه بكسر الراء ، وقال القابسي معناه البارزين لقتال أهل الإسلام ، أي الظاهرين في براز من الأرض كما جاء في وصف علي أنه بارز وظاهر ، ويقال معناه أن القوم الذين يقاتلون ، تقول العرب هذا البارز إذا أشارت إلى شيء ضار ، وقال ابن كثير : قول سفيان المشهور في الرواية تقديم الراء على الزاي وعكسه تصحيف كأنه اشتبه على الراوي من البارز وهو السوق بلغتهم ، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية وغيره عن إسماعيل وقال فيه أيضا " وهم أهل البارز " وأخرجه أبو نعيم من طريق إبراهيم بن بشار عن سفيان وقال في آخره " قال أبو هريرة [ ص: 705 ] وهم هذا البارز يعني الأكراد " وقال غيره : البارز الديلم لأن كلا منهما يسكنون في براز من الأرض أو الجبال وهي بارزة عن وجه الأرض ، وقيل هي أرض فارس لأن منهم من يجعل الفاء موحدة والزاي سينا وقيل غير ذلك ، وقال ابن الأثير : ذكره أبو موسى في الباء والزاي ، وقيل البارز ناحية قريبة من كرمان بها جبال فيها أكراد فكأنهم سموا باسم بلادهم ، أو هو على حذف أهل ، والذي في البخاري بتقديم الراء على الزاي وهم أهل فارس ، فكأنه أبدل السين زايا أي والفاء باء ، وقد ظهر مصداق هذا الخبر ، وقد كان مشهورا في زمن الصحابة حديث اتركوا الترك ما تركوكم فروى الطبراني من حديث معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله " وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم ، فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه : لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الترك تجلي العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح ، قال : فأنا أكره قتالهم لذلك وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية ، وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودا إلى أن فتح ذلك شيئا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس الملوك فيهم لما فيهم من الشدة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم ، ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ، ثم أولاده واحدا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم ، ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضا فملكوا بلاد العجم ، ثم غلب على تلك الممالك آل سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم ، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب ، واستكثر هؤلاء أيضا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية ، وخرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد ، ثم جاءت الطامة الكبرى بالططر فكان خروج جنكيزخان بعد الستمائة فأسعرت بهم الدنيا نارا خصوصا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم ، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المستعصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة ، ثم لم تزل بقاياهم يخربون إلى أن كان آخرهم اللنك ومعناه الأعرج وأمه تمر بفتح المثناة وضم الميم وربما أشبعت ، فطرق الديار الشامية وعاث فيها ، وحرق دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ، ودخل الروم والهند وما بين ذلك ، وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد ، وظهر بجميع ما أوردته مصداق قوله صلى الله عليه وسلم إن بني قنطورا أول من سلب أمتي ملكهم وهو حديث أخرجه الطبراني من حديث معاوية ، والمراد ببني قنطورا الترك ، وقنطورا قيده ابن الجواليقي في المعرب بالمد وفي كتاب البارع بالقصر ، قيل كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه السلام فولدت له أولادا فانتشر منهم الترك حكاه ابن الأثير واستبعده ، وأما شيخنا في القاموس فجزم به ، وحكى قولا آخر أن المراد بهم السودان ، وقد تقدم في " باب قتال الترك " من الجهاد بقية ذلك ، وكأنه يريد بقوله " أمتي " أمة النسب لا أمة الدعوة يعني العرب والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية