صفحة جزء
باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل

3614 حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة حدثنا سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة فأبى أن يأكل منها ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارا لذلك وإعظاما له
قوله : ( باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة ) أي ابن عبد شمس ، وهي والدة معاوية ، قتل أبوها ببدر كما سيأتي في المغازي ، وشهدت مع زوجها أبي سفيان أحدا ، وحرضت على قتل حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - لكونه قتل عمها شيبة وشرك في قتل أبيها عتبة فقتله وحشي بن حرب كما سيأتي بيان ذلك في حديث وحشي ، ثم أسلمت هند يوم الفتح ، وكانت من عقلاء النساء ، وكانت قبل أبي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي ثم طلقها في قصة جرت ، فتزوجها أبو سفيان فأنتجت عنده ، وهي القائلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما شرط على النساء المبايعة ولا يسرقن ولا يزنين " وهل تزني الحرة " ؟ وماتت هند في خلافة عمر .

قوله : ( وقال عبدان ) كذا للجميع بصيغة التعليق ، وكلام أبي نعيم في " المستخرج " يقتضي أن البخاري أخرجه موصولا عن عبدان ، وقد وصله البيهقي أيضا من طريق أبي الموجه عن عبدان .

قوله : ( خباء ) بكسر المعجمة وتخفيف الموحدة مع المد هي خيمة من وبر أو صوف ، ثم أطلقت على البيت كيف ما كان .

قوله : ( قال : وأيضا والذي نفسي بيده ) قال ابن التين : فيه تصديق لها فيما ذكرته ، كأنه رأى أن المعنى : وأنا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك . تعقب من جهة طرفي البغض والحب ، فقد كان في المشركين من كان أشد أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - من هند وأهلها ، وكان في المسلمين بعد أن أسلمت من هو أحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ومن أهلها ، فلا يمكن حمل الخبر على ظاهره . وقال غيره : المعنى بقوله : " وأيضا " ستزيدين في المحبة كلما تمكن الإيمان من قلبك وترجعين عن البغض المذكور حتى لا يبقى له أثر ، فأيضا خاص بما يتعلق بها لا أن المراد بها أني كنت في حقك كما ذكرت في البغض ثم صرت على خلافه في الحب بل ساكت عن ذلك ، ولا يعكر على هذا قوله في بعض الروايات " وأنا " إن ثبتت الرواية بذلك .

قوله : ( إن أبا سفيان رجل مسيك ) سيأتي شرحه في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى ، وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأتيها في المخاطبة ، ويؤخذ منه أن صاحب الحاجة يستحب له أن يقدم بين يدي نجواه اعتذارا إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه موجدة ، وأن المعتذر يستحب له أن يقدم ما يتأكد به [ ص: 176 ] صدقه عند من يعتذر إليه ؛ لأن هند قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما ادعته من المحبة ، وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان .

[ ص: 177 ] ( باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل ) هو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل ، وقد تقدم نسبه في ترجمته . وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة ; وكان ممن طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك ، لكنه مات قبل المبعث ، فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال : قال لي زيد بن عمرو : إني خالفت قومي ، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان ، وكانا يصليان إلى هذه القبلة ، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث ، ولا أراني أدركه ، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي ، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام . قال عامر : فلما أسلمت أعلمت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبره قال : فرد عليه السلام وترحم عليه ، قال : ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا .

وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال : " خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين ، حتى أتيا الشام ، فتنصر ورقة وامتنع زيد ، فأتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع " وذكر الحديث نحو حديث ابن عمر الآتي في ترجمته وفيه قال سعيد بن زيد : فسألت أنا وعمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيد فقال : غفر الله له ورحمه ، فإنه مات على دين إبراهيم ، وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال : " بلغنا أن زيدا كان بالشام ، فبلغه مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يريده فقتل بمضيعة من أرض البلقاء " وقال ابن إسحاق : لما توسط بلاد لخم قتلوه ، وقيل : إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة .

قوله : ( بأسفل بلدح ) هو مكان في طريق التنعيم بفتح الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة ، ويقال هو واد .

قوله : ( فقدمت ) بضم القاف .

قوله : ( إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ) كذا للأكثر ، وفي رواية الجرجاني " فقدم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - سفرة " قال عياض : الصواب الأول ، قلت : رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني ، وكذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما ، وقال ابن بطال : كانت السفرة لقريش قدموها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكل منها فقدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها وقال مخاطبا لقريش الذين قدموها أولا : " إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " انتهى . وما قاله محتمل ، لكن لا أدري من أين له الجزم بذلك ، فإني لم أقف عليه في رواية أحد . وقد تبعهابن المنير في ذلك وفيه ما فيه .

قوله : ( على أنصابكم ) بالمهملة جمع نصب بضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام ، قال الخطابي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام ، ويأكل ما عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه ؛ لأن الشرع لم يكن نزل بعد ، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة . قلت : وهذا الجواب أولى مما ارتكبه ابن بطال ، وعلى تقدير أن يكون حارثة ذبح على الحجر المذكور فإنما يحمل على أنه إنما ذبح عليه لغير الأصنام ، وأما قوله تعالى : وما ذبح على النصب فالمراد به ما ذبح عليها للأصنام ، ثم قال الخطابي : وقيل : لم ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم ذلك شيء . قلت : وفيه نظر ؛ لأنه كان قبل المبعث فهو من تحصيل الحاصل : وقد وقع في حديث سعيد بن زيد الذي قدمته وهو عند أحمد وكان ابن زيد يقول : عذت بما عاذ به إبراهيم ، ثم يخر [ ص: 178 ] ساجدا للكعبة ، قال : فمر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعياه فقال : يا ابن أخي لا آكل مما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل مما ذبح على النصب من يومه ذلك . وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما قال : " خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما من مكة وهو مردفي ، فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو " فذكر الحديث مطولا وفيه : " فقال زيد : إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه " قال الداودي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث يجانب المشركين في عاداتهم ، لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر الذبح ، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم .

وقال السهيلي : فإن قيل : فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولى من زيد بهذه الفضيلة ، فالجواب أنه ليس في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل منها ، وعلى تقدير أن يكون أكل فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه لا بشرع بلغه ، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم ، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام ، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة ، مع أن الذبائح لها أصل في تحليل الشرع ، واستمر ذلك إلى نزول القرآن ، ولم ينقل أن أحدا بعد المبعث كف عن الذبائح حتى نزلت الآية . قلت : وقوله : إن زيدا فعل ذلك برأيه أولى من قول الداودي إنه تلقاه عن أهل الكتاب ، فإن حديث الباب بين فيما قال السهيلي ، وإن ذلك قاله زيد باجتهاد لا بنقل عن غيره ، ولا سيما وزيد يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل الكتابين . وقد قال القاضي عياض في الملة المشهورة في عصمة الأنبياء قبل النبوة : إنها كالممتنع لأن النواهي إنما تكون بعد تقرير الشرع ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متعبدا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح ، فعلى هذا فالنواهي إذا لم تكن موجودة فهي معتبرة في حقه والله أعلم .

فإن فرعنا على القول الآخر فالجواب عن قوله : " ذبحنا شاة على بعض الأنصاب " يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة ، إنما هي من آلات الجزار التي يذبح عليها ، لأن النصب في الأصل حجر كبير ، فمنها ما يكون عندهم من جملة الأصنام فيذبحون له وعلى اسمه ، ومنها ما لا يعبد بل يكون من آلات الذبح فيذبح الذابح عليه لا للصنم ، أو كان امتناع زيد منها حسما للمادة .

قوله : ( فإن زيد بن عمرو ) هو موصول بالإسناد المذكور .

التالي السابق


الخدمات العلمية