صفحة جزء
باب هجرة الحبشة وقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة فيه عن أبي موسى وأسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم

3659 حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري حدثنا عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا له ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة وكان أكثر الناس فيما فعل به قال عبيد الله فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة فقلت له إن لي إليك حاجة وهي نصيحة فقال أيها المرء أعوذ بالله منك فانصرفت فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان فقالا لي قد ابتلاك الله فانطلقت حتى دخلت عليه فقال ما نصيحتك التي ذكرت آنفا قال فتشهدت ثم قلت إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد بن عقبة فحق عليك أن تقيم عليه الحد فقال لي يا ابن أخي آدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت لا ولكن قد خلص إلي من علمه ما خلص إلى العذراء في سترها قال فتشهد عثمان فقال إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وآمنت بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت وصحبت رسول الله وبايعته والله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ولا غششته ثم استخلفت أفليس لي عليكم مثل الذي كان لهم علي قال بلى قال فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق قال فجلد الوليد أربعين جلدة وأمر عليا أن يجلده وكان هو يجلده وقال يونس وابن أخي الزهري عن الزهري أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم قال أبو عبد الله بلاء من ربكم ما ابتليتم به من شدة وفي موضع البلاء الابتلاء والتمحيص من بلوته ومحصته أي استخرجت ما عنده يبلو يختبر مبتليكم مختبركم وأما قوله بلاء عظيم النعم وهي من أبليته وتلك من ابتليته
[ ص: 227 ] قوله : ( باب هجرة الحبشة ) أي هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة ، وكان وقوع ذلك مرتين ، وذكر أهل السير أن الأولى كانت في شهر رجب من سنة خمس من المبعث ، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وقيل : وامرأتان ، وقيل : كانوا اثني عشر رجلا وقيل : عشرة ، وأنهم خرجوا مشاة إلى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار ، وذكر ابن إسحاق أن السبب في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع أن يكفهم عنهم إن بالحبشة ملكا لا يظلم عنده أحد ، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا . فكان أول من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول إلى أنس قال . أبطأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهما ، فقدمت امرأة فقالت له : لقد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار . فقال : صحبهما الله ، إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط . قلت : وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان ، وقد سرد ابن إسحاق أسماءهم ، فأما الرجال فهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وأبو حذيفة بن عتبة ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسود وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وسهيل ابن بيضاء وأبو سبرة بن أبي رهم العامري ، قال : ويقال بدله : حاطب بن عمرو العامري ، قال : فهؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين [ ص: 228 ] إلى الحبشة . قال ابن هشام : وبلغني أنه كان عليهم عثمان بن مظعون ، وأما النسوة فهن رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة وليلى بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة ، ووافقه الواقدي في سردهن وزاد اثنين عبد الله بن مسعود وحاطب بن عمرو ، مع أنه ذكر في أول كلامه أنهم كانوا أحد عشر رجلا فالصواب ما قال ابن إسحاق أنه اختلف في الحادي عشر هل هو أبو سبرة أو حاطب ، وأما ابن مسعود فجزم ابن إسحاق بأنه إنما كان في الهجرة الثانية ، ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود قال : " بعثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى الأشعري " فذكر الحديث .

وقد استشكل ذكر أبي موسى فيهم ؛ لأن المذكور في الصحيح أن أبا موسى خرج من بلاده هو وجماعة قاصدا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فألقتهم السفينة بأرض الحبشة فحضروا مع جعفر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ، ويمكن الجمع بأن يكون أبو موسى هاجر أولا إلى مكة فأسلم فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع من بعث إلى الحبشة فتوجه إلى بلاد قومه وهم مقابل الحبشة من الجانب الشرقي ، فلما تحقق استقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالمدينة هاجر هو ومن أسلم من قومه إلى المدينة فألقتهم السفينة لأجل هيجان الريح إلى الحبشة ، فهذا محتمل ، وفيه جمع بين الأخبار فليعتمد ، والله أعلم . وعلى هذا فقول أبي موسى : بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - أي إلى المدينة ، وليس المراد بلغنا مبعثه ، ويؤيده أنه يبعد كل البعد أن يتأخر علم مبعثه إلى مضي نحو عشرين سنة ، ومع الحمل على مخرجه إلى المدينة فلا بد فيه من زيادة استقراره بها وانتصافه ممن عاداه ونحو ذلك ، وإلا فبعيد أيضا أن يخفى عنهم خبر خروجه إلى المدينة ست سنين ، ويحتمل أن إقامة أبي موسى بأرض الحبشة طالت لأجل تأخر جعفر عن الحضور إلى المدينة حتى يأتيه الإذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقدوم ، وأما عثمان بن مظعون فذكر فيهم وإن كان مذكورا في الأول ؛ لأن ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أهل السير ذكروا أن المسلمين بلغهم وهم بأرض الحبشة أن أهل مكة أسلموا ، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة فلم يجدوا ما أخبروا به من ذلك صحيحا ، فرجعوا ، وسار معهم جماعة إلى الحبشة ، وهي الهجرة الثانية . وسرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية وهم زيادة على ثمانين رجلا . وقال ابن جرير الطبري : كانوا اثنين وثمانين رجلا سوى نسائهم وأبنائهم ، وشك في عمار بن ياسر هل كان فيهم وبه تتكمل العدة ثلاثة وثمانين ، وقيل : إن عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة .

قوله : ( وقالت عائشة : أريت دار هجرتكم إلخ ) هذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة كما سيأتي بيانه موصولا مطولا في " باب الهجرة إلى المدينة " .

قوله فيه : ( عن أبي موسى وأسماء ) أما حديث أبي موسى فسيأتي في آخر الباب ، وأما حديث أسماء وهي بنت عميس فسيأتي في غزوة خيبر من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه " بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن - فذكر الحديث وفيه - ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة ، وقد كانت أسماء هاجرت فيمن هاجر إلى النجاشي " الحديث .

ثم ذكر قصة الوليد بن عقبة التي مضت في مناقب عثمان وتقدم شرحها مستوفى بتمامه ، وفيه قوله هنا : " أن تكلم خالك " والغرض منها قول عثمان : " وهاجرت الهجرتين الأوليين " كما قلت و " الأوليين " بضم الهمزة وتحتانيتين تثنية أولى ، وهو على طريق التغليب بالنسبة إلى هجرة [ ص: 229 ] الحبشة فإنها كانت أولى وثانية ، وأما إلى المدينة فلم تكن إلا واحدة ، ويحتمل أن تكون الأولية بالنسبة إلى أعيان من هاجر فإنهم هاجروا متفرقين فتعدد بالنسبة إليهم ، فمن أول من هاجر عثمان .

قوله : ( وقال يونس ) هو ابن يزيد ( وابن أخي الزهري ) هو محمد بن عبد الله بن مسلم ( عن الزهري ) بالإسناد المذكور . وطريق يونس وصلها المؤلف في مناقب عثمان ، وأما طريق ابن أخي الزهري فوصلها قاسم بن أصبغ في مصنفه ومن طريقه ابن عبد البر في تمهيده وهو باللفظ الذي علقه المصنف ، وهذا التعليق عن هذين وكذا الذي بعده من التفسير في روايةالمستملي وحده .

قوله : ( قال أبو عبد الله بلاء من ربكم إلخ ) وقع في رواية المستملي وحده أيضا ، وأورده هنا لقوله : " قد ابتلاك الله " والمراد به الاختيار ، ولهذا قال : " هو من بلوته إذا استخرجت ما عنده " واستشهد بقوله : نبلو أي نختبر ، ومبتليكم أي مختبركم ، ثم استطرد فقال : وأما قوله : بلاء من ربكم عظيم أي نعيم ، وهو من ابتليته إذا أنعمت عليه ، والأول من ابتليته إذا امتحنته ، وهذا كله كلام أبي عبيدة في " المجاز " فرقه في مواضعه ، وتحرير ذلك أن لفظ البلاء من الأضداد ، يطلق ويراد به النعمة ، ويطلق ويراد به النقمة ، ويطلق أيضا على الاختبار ، ووقع ذلك كله في القرآن كقوله تعالى : بلاء حسنا فهذا من النعمة والعطية ، وقوله : بلاء عظيم فهذا من النقمة ، ويحتمل أن يكون من الاختبار ، وكذلك قوله : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والابتلاء بلفظ الافتعال يراد به النقمة والاختبار أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية