صفحة جزء
باب حديث الإسراء وقول الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

3673 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه
قوله : ( حديث الإسراء ، وقول الله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) سيأتي البحث في لفظ ( أسرى ) في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى . قال ابن دحية : جنح البخاري إلى أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج ؛ لأنه أفرد لكل منهما ترجمة . قلت : ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده ، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما ، وذلك أنه ترجم " باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء " والصلاة إنما فرضت في المعراج ، فدل على اتحادهما عنده ، وإنما أفرد كلا منهما بترجمة ؛ لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وإن كانا وقعا معا ، وقد روى كعب الأحبار أن باب السماء الذي يقال له : مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس ، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج ، وفيه نظر ، لورود أن في كل سماء بيتا معمورا ، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة ، وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج ؛ لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور ، وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل : الحكمة في ذلك أن يجمع - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة بين رؤية القبلتين ، أو [ ص: 237 ] لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل ، أو لأنه محل الحشر ، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية ، فكان المعراج منه أليق بذلك . أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى ، أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه ، وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ ابن أبي جمرة قريبا ، والعلم عند الله .

وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة : فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه بعد المبعث ، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة ، ولا ينبغي العدول عن ذلك ؛ إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل ، نعم جاء في بعض الأخبار ما يخالف بعض ذلك ، فجنح لأجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى أن ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ، ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي ، فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره ابن ميسرة التابعي الكبير وغيره أن ذلك وقع في المنام ، وأنهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بأن ذلك وقع مرتين .

وإلى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في " شرف المصطفى " قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معاريج ، منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام ، وحكاه السهيلي عن ابن العربي واختاره ، وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لأجل قول شريك في روايته عن أنس " وذلك قبل أن يوحى إليه " وقد قدمت في آخر صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان ما يرتفع به الإشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التأويل ، ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك ، وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . وقال بعض المتأخرين : كانت قصة الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة . متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء ، وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ، ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما سنبينه .

وذهب بعضهم إلى أن الإسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام ، أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالإسراء ، ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج ، وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر ، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كونه شأنه أعجب وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على أنه كان مناما ، وأما الإسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس .

وقيل : كان الإسراء مرتين في اليقظة ، فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع ، والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى آخر ما وقع ، ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض ؛ لأن ذلك عندهم من جنس قوله : إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين ، وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة ، لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه ، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع ، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ، ويؤيدوقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ، ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى أن قال : " ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا " وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق " فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج " فذكر [ ص: 238 ] الحديث ، ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث ، فهو وإن لم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس فقد أشار إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد . واحتج من زعم أن الإسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في " الدلائل " من حديث شداد بن أوس قال : قلت : يا رسول الله ، كيف أسري بك ؟ قال : صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بدابة فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه ، قال : ثم انصرف بي ، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال : ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند ابن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا ، فإن ثبت أن المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك أن الإسراء وقع مرتين : مرة على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة ، والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ، ومرة في اليقظة مضموما إلى الإسراء . وأما كونه قبل البعث فلا يثبت ، ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك إن شاء الله تعالى .

وجنح الإمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارا ، واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال : بينا أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي ، فقمنا إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر ، فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من السماء ، ورأيت النور الأعظم ، وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم ، إلا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله ، وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة ، ولا بعد في وقوع أمثالها ، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه ، وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه ، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض ، أو الترجيح إلا أنه لا بعد في وقوع جميع ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته .

ومن المستغرب قول ابن عبد السلام في تفسيره : كان الإسراء في النوم واليقظة ، ووقع بمكة والمدينة . فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والآخر في المنام بالمدينة ، وينبغي أن يزاد فيه أن الإسراء في المنام تكرر في المدينة النبوية ، وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز ، وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل ، وفي الصحيح حديث ابن عباس في رؤياه الأنبياء ، وحديث ابن عمر في ذلك وغير ذلك ، والله أعلم .

قوله : ( سبحان ) أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب ، فعلى الأول المعنى تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابا ، وعلى الثاني عجب الله عباده بما أنعم به على رسوله ، ويحتمل أن تكون بمعنى الأمر أي سبحوا الذي أسرى .

قوله : ( أسرى ) مأخوذ من السرى وهو سير الليل ، تقول : أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى ، هذا قول الأكثر ، وقال الحوفي : أسرى : سار ليلا ، وسرى سار نهارا ، وقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره وهذا أقرب . والمراد بقوله : أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال : أمضيت كذا أي جعلته يمضي ، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ، ولأن المراد ذكر المسرى به لا ذكر الدابة ، والمراد بقوله : بعبده محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والإضافة للتشريف ، وقوله " ليلا " ظرف للإسراء وهو للتأكيد ، وفائدته رفع [ ص: 239 ] توهم المجاز ؛ لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا ، ويقال : بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه ، والعرب تقول : سرى فلان ليلا : إذا سار بعضه ، وسرى ليلة : إذا سار جميعها ، ولا يقال أسرى إلا إذا وقع سيره في أثناء الليل ، وإذا وقع في أوله يقال : أدلج ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل : فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل .

قوله : ( سمعت جابر بن عبد الله ) كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال : " عن أبي هريرة " أخرجه مسلم ، وهو محمول على أن لأبي سلمة فيه شيخين ؛ لأن في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري . قوله : ( لما كذبني ) في رواية الكشميهني " كذبتني " بزيادة مثناة وكلاهما جائز ، وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى : فروى البيهقي في " الدلائل " من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال : " افتتن ناس كثير - يعني عقب الإسراء - فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له فقال : أشهد أنه صادق . فقالوا : وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة ؟ قال : نعم ، إني أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . قال : فسمي بذلك الصديق " قال : سمعت جابر يقول فذكر الحديث .

وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال : هل كان من شيء ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس . قال : ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال : نعم . قال : فإن دعوت قومك أتحدثهم بذلك ؟ قال : نعم . قال : يا معشر بني كعب بن لؤي . قال : فانفضت إليه المجالس حتى جاءوا إليهما فقال : حدث قومك بما حدثتني . فحدثتهم ، قال : فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا ، قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد الحديث . ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الإسراء ، فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل ، فسرت فقال : انزل فصل . ففعلت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ صليت بطيبة وإليها المهاجرة يعني بفتح الجيم ، ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني أنه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل ، فقال له جبريل : انزل فصل . فنزل فصلى ، فقال : صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال : انزل فصل مثل الأول . قال : صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال : انزل - فذكر مثله - قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب : ثم مر بأرض بيضاء فقال : انزل فصل . فقال : صليت بمدين وفيه أنه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد ، وفيه أنه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد ، وفيه أنه أعلمهم بذلك وأن عيرهم تقدم في يوم كذا ، فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه ، وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس ، فجمع لي الأنبياء ، فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي في الدلائل أنه مر بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق ، فقال له جبريل : سر . وأنه مر على عجوز فقال : ما هذه : فقال : سر ، وأنه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل : اردد عليهم - وفي آخره - فقال له : الذي دعاك إبليس ، والعجوز الدنيا ، والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى [ ص: 240 ] وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار أنه مر بقوم يزرعون ويحصدون ، كلما حصدوا عاد كما كان ، قال جبريل : هؤلاء المجاهدون . ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت ، قال : هؤلاء الذين تثاقل رءوسهم عن الصلاة . ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأنعام ، قال : هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة . ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال : هؤلاء الزناة . ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها ، قال : هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى . ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم ، كلما قرضت عادت قال : هؤلاء خطباء الفتنة . ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد أن يرجع فلا يستطيع ، قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد أن يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم أنه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وأنه أتي هناك بأرواح الأنبياء فأثنوا على الله ، وفيه قول إبراهيم : " لقد فضلكم محمد " وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني .

وعند مسلم من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني في الأوسط ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت ، كلما نهض أحدهم خر ، وأن جبريل قال له : هم آكلو الربا . وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون حجرا فيخرج من أسافلهم ، وأن جبريل قال له : هؤلاء أكلة أموال اليتامى .

قوله : ( فجلى الله لي بيت المقدس ) قيل : معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال : فسألوني عن أشياء لم أثبتها ، فكربت كربا لم أكرب مثله قط ، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به ويحتمل أن يريد أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد ، وفي حديث ابن عباس المذكور فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ، ولا استحالة فيه ، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان ، وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه ، وما ذاك في قدرة الله بعزيز . ووقع في حديث أم هانئ عند ابن سعد فخيل لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته فإن لم يكن مغيرا من قوله : " فجلى " وكان ثابتا احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبا منه ، كما تقدم نظيره في حديث " رأيت الجنة والنار " وتأول قوله " جيء بالمسجد " أي جيء بمثاله والله أعلم .

ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الأول ففيه ثم مررت بعير لقريش - فذكر القصة - ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح ، فأتاني أبو بكر فقال : أين كنت الليلة ؟ فقال : إني أتيت بيت المقدس . فقال : إنه مسيرة شهر فصفه لي . قال : ففتح لي شراك كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا أنهم قالوا له : كم للمسجد باب ؟ قال : ولم أكن عددتها ، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم ، وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم : هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم والله ، قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ، ومررت بإبل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء ، قالوا : فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء . قال : كنت عن عدتها مشغولا ، فقام فأتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم أتى قريشا فقال : هي كذا وكذا ، وفيها من الرعاء فلان وفلان فكان كما قال . قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده ؛ لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان [ ص: 241 ] والإيضاح ، فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك ، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة ، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره ، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن ، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند ، انتهى ملخصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية