صفحة جزء
باب قصة غزوة بدر وقول الله تعالى ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين وقال وحشي قتل حمزة طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر وقوله تعالى وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم الآية الشوكة الحد

3735 حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يقول لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني تخلفت عن غزوة بدر ولم يعاتب أحد تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد
[ ص: 333 ] قوله : ( قصة غزوة بدر ) كذا للأكثر وثبت " باب " في رواية كريمة .

قوله : ( وقول الله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون - إلى - فينقلبوا خائبين ) كذا للأكثر ، وللأصيلي نحوه قال بعد قوله : وأنتم أذلة : إلى قوله : فينقلبوا خائبين وساق الآيات كلها في رواية كريمة .

قوله : ( ببدر ) هي قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها ، ويقال : بدر بن الحارث ، ويقال : بدر اسم البئر التي بها ، سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها ، وحكى الواقدي إنكار ذلك كله عن غير واحد من شيوخ بني غفار ، وإنما هي مأوانا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر ، وإنما هو علم عليها كغيرها من البلاد .

قوله : ( وأنتم أذلة ) أي قليلون بالنسبة إلى من لقيهم من المشركين ، ومن جهة أنهم كانوا مشاة إلا القليل منهم ، ومن جهة أنهم كانوا عارين من السلاح وكان المشركون على العكس من ذلك ، والسبب في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب الناس إلى تلقي أبي سفيان لأخذ ما معه من أموال قريش ، وكان من معه قليلا فلم يظن أكثر الأنصار أنه يقع قتال فلم يجز معه منهم إلا القليل ، ولم يأخذوا أهبة الاستعداد كما ينبغي ، بخلاف المشركين فإنهم خرجوا مستعدين ذابين عن أموالهم . وأما قوله : إذ تقول للمؤمنين فاختلف فيها أهل التأويل ، فمنهم من قال : هي متعلقة بقوله : نصركم فعلى هذا هي في قصة بدر ، وعليه عمل المصنف ، وهو قول الأكثر وبه جزم الداودي ، وأنكره ابن التين فذهل . وقيل هي متعلقة بقوله : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال فعلى هذا فهي متعلقة بغزوة أحد وهو قول عكرمة وطائفة ، ويؤيد الأول ما روى ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي " أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمد المشركين ، فأنزل الله تعالى ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف الآية قال : فلم يمد كرز المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة ، ومن طريق سعيد عن قتادة قال : " أمد الله المسلمين بخمسة آلاف من الملائكة " وعن الربيع بن أنس قال : " أمد الله المسلمين يوم بدر بألف ، ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف " وكأنه جمع بذلك بين آل عمران والأنفال ، وقد لمح المصنف بالاختلاف في النزول فذكر قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك في غزوة [ ص: 334 ] أحد ، وكذلك قوله : ليس لك من الأمر شيء وذكر ما عدا ذلك في غزوة بدر وهو المعتمد .

قوله : ( فورهم : غضبهم ) ثبت هكذا في رواية الكشميهني وهو قول عكرمة ومجاهد وروي عن ابن عباس ، وقال الحسن وقتادة والسدي : معناه من وجههم .

قوله : ( وقال وحشي ) أي ابن حرب ( قتل حمزة ) أي ابن عبد المطلب ( طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر ) كذا وقع فيه " ابن الخيار " وهو وهم وصوابه " ابن نوفل " وسأبين ذلك في الكلام على قصة مقتل حمزة في غزوة أحد إن شاء الله تعالى .

قوله : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) هذه الآية نزلت في قصة بدر بلا خلاف ، بل جميع سورة الأنفال أو معظمها نزلت في قصة بدر ، وسيأتي في تفسير قول سعيد بن جبير : " قلت لابن عباس : سورة الأنفال ؟ قال : نزلت في بدر " والمراد بالطائفتين العير والنفير ، فكان في العير أبو سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معه من الأموال ، وكان في النفير أبو جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش مستعدين بالسلاح متأهبين للقتال ، وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم ، وهو المراد بقوله : وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم والمراد بذات الشوكة الطائفة التي فيها السلاح .

قوله : ( الشوكة الحد ) هو قول أبي عبيدة ، قال في " كتاب المجاز : " ويقال : ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم ، وكأنها استعارة من واحدة الشوك ، وروى الطبراني وأبو نعيم في " الدلائل " من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس قال : " أقبلت عير لأهل مكة من الشام ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يريدها ، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها وسبقت العير المسلمين ، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين ، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخص مغنما من أن يلقوا النفير ، فلما فاتهم العير نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين بدرا فوقع القتال " .

ذكر المصنف طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة توبته ، وسيأتي في غزوة تبوك ، والغرض منه هنا قوله " ولم يعاتب أحد " وهو بفتح التاء على البناء للمجهول ، ووقع في رواية الكشميهني " ولم يعاتب الله أحدا " وقوله فيه : " إنما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش " أي ولم يرد القتال . وقوله : " حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد " أي ولا إرادة قتال . والعير المذكورة يقال : كانت ألف بعير ، وكان المال خمسين ألف دينار ، وكان فيها ثلاثون رجلا من قريش وقيل : أربعون . وقيل : ستون ، وقوله " غير أني تخلفت في غزوة بدر " وهو استثناء من المفهوم في قوله : " لم أتخلف إلا في تبوك " فإن مفهومه أني حضرت في جميع الغزوات ما خلا غزوة تبوك ، والسبب في كونه لم يستثنهما معا بلفظ واحد كونه تخلف في تبوك مختارا لذلك مع تقدم الطلب ووقوع العتاب على من تخلف ، بخلاف بدر في ذلك كله ، فلذلك غاير بين التخلفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية