صفحة جزء
باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزهري عن عروة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد وقول الله تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد

3804 حدثنا إسحاق بن نصر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهود المدينة


قوله : ( باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع ) أي دون من لم يسم فيه ، ودون من لم يذكر فيه أصلا . [ ص: 380 ] والمراد بالجامع هذا الكتاب ، والمراد بمن سمي من جاء فيه برواية عنه أو عن غيره بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها ، وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق ، وذكر في الكتاب في عدة مواضع ، إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدرا .

قوله : ( النبي محمد بن عبد الله الهاشمي - صلى الله عليه وسلم ) قلت : بدأ به تبركا وتيمنا بذكره ، وإلا فذلك من المقطوع به .

قوله : ( أبو بكر ) تقدم ذكره في مواضع منها في " باب إذ تستغيثون ربكم " .

قوله : ( عمر ) ذكره في حديث أبي طلحة .

قوله : ( عثمان ) قلت : لم يتقدم له ذكر في هذه القصة ، إلا أنه تقدم في المناقب من قول ابن عمر أنه ضرب له بسهمه .

قوله : ( علي بن أبي طالب ) تقدم في حديث المبارزة وفي غيره .

قوله : ( إياس بن البكير ) تقدم قبل " باب شهود الملائكة بدرا " وقد سرد المصنف من هذه الأسماء على حروف المعجم ، وذكر بعض ذوي الكنى معتمدا على الاسم دون أداة الكنية فلهذا قال أبو حذيفة في حرف الحاء ، وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - والأربعة قبل الباقين لشرفهم ، وفي بعض النسخ قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط وذكر الأربعة في حرف العين والخطب فيه سهل . ثم إن إياس بن البكير المذكور بكسر الهمزة بعدها تحتانية وآخره مهملة ، ووهم من ضبطه بفتح الهمزة ، وأما أبوه فتقدم ضبطه ، وقد شهد مع إياس بدرا إخوته عاقل وعامر وغيرهما ، ولكن لما لم يقع ذكرهم في الجامع لم يذكرهم .

قوله : ( بلال ) تقدم في حديث عبد الرحمن بن عوف في قتل أمية بن خلف .

قوله : ( حمزة ) تقدم في أول القصة .

قوله : ( حاطب ) تقدم في فضل من شهد بدرا .

قوله : ( أبو حذيفة ) تقدم في الحديث الخامس من الباب الأخير .

قوله : ( حارثة بن الربيع ) يعني بالتشديد هو ابن سراقة ، تقدم في أول " باب فضل من شهد بدرا " وقوله " كان في النظارة " أشار إلى ما وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه خرج نظارا أخرجه أحمد والنسائي وزاد " ما خرج لقتال " .

قوله : ( خبيب بن عدي ) تقدم في حديث أبي هريرة ، وسيأتي ما قيل فيه في الكلام على غزوة الرجيع .

قوله : ( خنيس بن حذافة ) تقدم في العاشر في الباب الأخير .

قوله : ( رفاعة بن رافع ) تقدم في " باب فضل من شهد بدرا " .

[ ص: 381 ] قوله : ( رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة ) تقدم في التاسع عشر من الباب الأخير ، وجزمه بأن اسمه رفاعة خالف فيه الأكثر فإنهم قالوا : إن اسمه بشير وإن رفاعة أخوه .

قوله : ( الزبير بن العوام ) تقدم في عدة أحاديث .

قوله : ( زيد بن سهل أبو طلحة ) تقدم في " باب الدعاء على المشركين " .

قوله : ( أبو زيد الأنصاري ) تقدم من حديث أنس .

قوله : ( سعد بن مالك ) هو ابن أبي وقاص ، ولم يتقدم له ذكر في هذه القصة ، ولكن هو منهم بالاتفاق ، ويحتمل أن يكون أخذه من أثر سعيد بن المسيب على بعد في ذلك .

قوله : ( سعد بن خولة ) تقدم في قصة سبيعة الأسلمية .

قوله : ( سعيد بن زيد ) تقدم في أثر نافع عن ابن عمر .

قوله : ( سهل بن حنيف ) تقدم في حديث علي أنه كبر عليه خمسا .

قوله : ( ظهير بن رافع ) تقدم في حديث رافع بن خديج وأنه عمه وأن اسم أخيه مظهر ، ولم يسم البخاري أخاه .

قوله : ( عبد الله بن مسعود ) تقدم في أوائله .

قوله : ( عتبة بن مسعود ) يعني أخاه . قلت : ولم يتقدم له ذكر بل ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين ، وقد سقط ذكره من رواية النسفي ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد .

قوله : ( عبد الرحمن بن عوف ) تقدم في قتل أبي جهل وغيره .

قوله : ( عبيدة بن الحارث ) تقدم في حديث علي .

قوله : ( عبادة بن الصامت ) تقدم بعد " باب شهود الملائكة بدرا " .

قوله : ( عمرو بن عوف ) تقدم فيه .

قوله : ( عقبة بن عمرو ) أبو مسعود البدري تقدم مترجما بثلاثة أحاديث .

قوله : ( عامر بن ربيعة العنزي ) بالنون والزاي ، وقع في رواية الكشميهني " العدوي " وكلاهما صواب ، فإنه عنزي الأصل عدوي الحلف .

قوله : ( عاصم بن ثابت ) تقدم في حديث أبي هريرة .

قوله : ( عويم بن ساعدة ) تقدم في حديث السقيفة .

قوله : ( عتبان بن مالك ) تقدم في " باب شهود الملائكة بدرا " .

[ ص: 382 ] قوله : ( قدامة بن مظعون ) تقدم فيه .

قوله : ( قتادة بن النعمان ) تقدم في أول الباب في حديث أبي سعيد .

قوله : ( معاذ بن عمرو بن الجموح ) بفتح الجيم وتخفيف الميم المضمومة وآخره مهملة ، تقدم في قتل أبي جهل .

قوله : ( معوذ ابن عفراء ) هي أمه ، واسم أبيه الحارث ، ومعوذ بتشديد الواو وبفتحها على الأشهر ، وجزم الوقشي بأنه بالكسر .

قوله : ( وأخوه ) عوف بن الحارث ، تقدم ذكرهما .

قوله : ( مالك بن ربيعة أبو أسيد ) تقدم في أول " باب من شهد بدرا " ونبه عياض على أن من لا معرفة له قد يتوهم أن مالكا أخو معاذ ؛ لأن سياق البخاري هكذا " معاذ ابن عفراء أخوه مالك بن ربيعة " وليس ذلك مراده بل قوله أخوه أي عوف ولم يسمه ، ثم استأنف فقال " مالك بن ربيعة " ولو كتبه بواو العطف لارتفع اللبس ، وكذا وقع عند بعض الرواة .

قوله : ( مرارة بن الربيع ) تقدم في حديث كعب بن مالك .

قوله : ( معن بن عدي ) تقدم مع عويم بن ساعدة .

قوله : ( مسطح بن أثاثة ) تقدم في أواخر الباب الأخير ، ووقع هنا لأبي زيد في نسبته " عباد بن عبد المطلب " والصواب حذف " عبد " .

قوله : ( المقداد بن عمرو ) تقدم ، ووقع في رواية الكشميهني " المقدام " بميم في آخره وهو غلط .

قوله : ( هلال بن أمية ) تقدم مع مرارة .

قلت : فجملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلا ، وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم ، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم ، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في " كتاب الأحكام " وبين اختلاف أهل السير في بعضهم وهو اختلاف غير فاحش ، وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في " عيون الأثر " لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره ، واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا - على ثلاثمائة وثلاثة عشر - خمسين رجلا ، قال : وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء قلت : ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا مبينا للراجح ، لكن في هذه الإشارة كفاية ، والله المستعان .

[ ص: 383 ] قوله : ( حديث بني النضير ) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة ، هم قبيلة كبيرة من اليهود ، وقد مضت الإشارة إلى التعريف بهم في أوائل الكلام على أحاديث الهجرة . وكان الكفار بعد الهجرة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أقسام : قسم وادعهم على أن لا يحاربوه ولا يمالئوا عليه عدوه ، وهم طوائف اليهود الثلاثة قريظة والنضير وقينقاع . وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة كقريش . وقسم تاركوه وانتظروا ما يئول إليه أمره كطوائف من العرب ، فمنهم من كان يحب ظهوره في الباطن كخزاعة ، وبالعكس كبني بكر ، ومنهم من كان معه ظاهرا ومع عدوه باطنا وهم المنافقون ، فكان أول من نقض العهد من اليهود بنو قينقاع فحاربهم في شوال بعد وقعة بدر فنزلوا على حكمه ، وأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبي وكانوا حلفاءه فوهبهم له ، وأخرجهم من المدينة إلى [ ص: 384 ] أذرعات . ثم نقض العهد بنو النضير كما سيأتي ، وكان رئيسهم حيي بن أخطب . ثم نقضت قريظة كما سيأتي شرح حالهم بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى .

قوله : ( ومخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في دية الرجلين ، وما أرادوا من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ) سيأتي شرح ذلك في نقل كلام ابن إسحاق في هذا الباب .

قوله : ( وقال الزهري عن عروة بن الزبير : كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد ) وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا ولفظه عن الزهري وهو في حديثه عن عروة " ثم كانت غزوة بني النضير ، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر ، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة ، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم سبح لله إلى قوله : لأول الحشر وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا ، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء . وقوله لأول الحشر فكان جلاؤهم أول حشر حشرا في الدنيا إلى الشام . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة ، مستدلا بقوله تعالى : وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم قال : وذلك في قصة الأحزاب . قلت : وهو استدلال واه ، فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة ، فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب ، وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر ، بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من جلائهم ، فإنه كان من رءوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب كما سيأتي ، حتى كان من هلاكهم ما كان ، فكيف يصير السابق لاحقا ؟

قوله : ( وقول الله عز وجل : هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب إلى قوله : أن يخرجوا ) وقد وضح المراد من ذلك في أثر عبد الرزاق المذكور ، وقد أورد ابن إسحاق تفسيرها لما ذكر هذه الغزوة . واتفق أهل العلم على أنها نزلت في هذه القصة ، قاله السهيلي ، قال : ولم يختلفوا في أن أموال بني النضير كانت خاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن المسلمين لم يوجفوا بخيل ولا ركاب وأنه لم يقع بينهم قتال أصلا .

قوله : ( وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد ) كذا هو في المغازي لابن إسحاق مجزوما به ، ووقع في رواية القابسي " وجعله إسحاق " قال عياض : وهو وهم والصواب " ابن إسحاق " وهو كما قال . ووقع في شرح الكرماني " محمد بن إسحاق بن نصر " وهو غلط ، وإنما اسم جده يسار ، وقد ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره من أهل العلم أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت على أمه ، فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بني عامر معهما عقد وعهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشعر به عمرو ، فقال لهما عمرو : ممن أنتما ؟ فذكرا أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما [ ص: 385 ] عمرو وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : لقد قتلت قتيلين لأودينهما . انتهى .

وسيأتي خبر غزوة بئر معونة بعد غزوة أحد ، وفيها عن عروة " أن عمرو بن أمية الضمري كان مع المسلمين ، فأسره المشركون " قال ابن إسحاق : " فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعينهم في ديتهما فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف ، فلما أتاهم يستعينهم قالوا : نعم . ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوه على مثل هذه الحال . قال : وكان جالسا إلى جانب جدار لهم ، فقالوا : من رجل يعلو على هذا البيت فيلقي هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأتاه الخبر من السماء فقام مظهرا أنه يقضي حاجة وقال لأصحابه : لا تبرحوا . ورجع مسرعا إلى المدينة ، واستبطأه أصحابه فأخبروا أنه توجه إلى المدينة ، فلحقوا به ، فأمر بحربهم والمسير إليهم ، فتحصنوا ، فأمر بقطع النخل والتحريق " .

وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال ، وكان ناس من المنافقين بعثوا إليهم أن اثبتوا وتمنعوا ، فإن قوتلتم قاتلنا معكم ، فتربصوا ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم ، فسألوا أن يخلوا عن أرضهم على أن لهم ما حملت الإبل فصولحوا على ذلك . وروى البيهقي في " الدلائل " من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثة أيام ، قال ابن إسحاق : فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام . قال : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنهم جلوا عن الأموال من الخيل والمزارع فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة . قال ابن إسحاق : ولم يسلم منهم إلا يامين بن عمير وأبو سعيد بن وهب فأحرزا أموالهما .

وروى ابن مردويه قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر عن الزهري " أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ويتوعدونهم أن يغزوهم بجميع العرب ، فهم ابن أبي ومن معه بقتال المسلمين ، فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما كادكم أحد بمثل ما كادتكم قريش ، يريدون أن تلقوا بأسكم بينكم ، فلما سمعوا ذلك عرفوا الحق فتفرقوا . فلما كانت وقعة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود أنكم أهل الحلقة والحصون ، يتهدمونهم ، فأجمع بنو النضير على الغدر ، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا ، فإن آمنوا بك اتبعناك . ففعل . فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير ، فأخبر أخوها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصل إليهم ، فرجع ، وصبحهم بالكتائب فحصرهم يومه ، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل إلا السلاح ، فاحتملوا حتى أبواب بيوتهم ، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدمونها ، ويحملون ما يوافقهم من خشبها ، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام . وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق ، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد ، قلت : فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه - صلى الله عليه وسلم - أن يعينوه في دية الرجلين ، لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي ، فالله أعلم .

وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به - صلى الله عليه وسلم - وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية ، تعين ما قال ابن إسحاق ، لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق . وأغرب السهيلي فرجح ما قال الزهري ، ولولا ما ذكر في قصة عمرو بن أمية [ ص: 386 ] لأمكن أن يكون ذلك في غزوة الرجيع ، والله أعلم . ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث :

الأول حديث ابن عمر " حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير " كذا فيه ولم يعين المفعول من حاربت ولم يسم فاعل أجلى ، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم . وكان سبب وقوع المحاربة نقضهم العهد : أما النضير فبالسبب الآتي ذكره ، وهو ما ذكره موسى بن عقبة في المغازي قال : كانت النضير قد دسوا إلى قريش وحضوهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودلوهم على العورة ثم ذكر نحوا مما تقدم عن ابن إسحاق من مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الرجلين قال : وفي ذلك نزلت ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية . وعند ابن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بعد أن هممتم بما هممتم به من الغدر ، وقد أجلتكم عشرا . وأما قريظة فبمظاهرتهم الأحزاب على النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الخندق كما سيأتي .

قوله : ( حتى حاربت قريظة ) سيأتي شرح ذلك بعد غزوة الخندق إن شاء الله تعالى . كذا وقع تقديم قريظة على النضير وكأنه لشرفهم ، وإلا فإجلاء النضير كان قبل قريظة بكثير .

قوله : ( والنضير ) ذكر ابن إسحاق في قصته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل إليهم أن اخرجوا وأجلهم عشرا وأرسل إليهم عبد الله بن أبي يثبطهم أرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنا لا نخرج ، فاصنع ما بدا لك . فقال : الله أكبر ، حاربت يهود . فخرج إليهم ، فخذلهم ابن أبي ولم تعنهم قريظة . وروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق عكرمة أن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف ، يعني الآتي ذكره عقب هذا .

قوله : ( بني قينقاع ) هو بالنصب على البدلية ، ونون قينقاع مثلثة والأشهر فيها الضم ، وكانوا أول من أخرج من المدينة كما تقدم في أول الباب . وروى ابن إسحاق في المغازي عن أبيه عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال : " لما حاربت بنو قينقاع قام بأمرهم عبد الله بن أبي فمشى عبادة بن الصامت وكان له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي ، فتبرأ عبادة منهم . قال : فنزلت ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض إلى قوله : يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة وكان عبد الله بن أبي لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمن عليهم قال : يا محمد إنهم منعوني من الأسود والأحمر ، وإني امرؤ أخشى الدوائر ، فوهبهم له . وذكر الواقدي أن إجلاءهم كان في شوال سنة اثنتين ، يعني بعد بدر بشهر . ويؤيده ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا يوم بدر جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال : يا يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشا يوم بدر . فقالوا : إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال . فأنزل الله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون إلى قوله : لأولي الأبصار وأغرب الحاكم فزعم أن إجلاء بني قينقاع وإجلاء بني النضير كان في زمن واحد ، ولم يوافق على ذلك لأن إجلاء بني النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة ، أو بعد ذلك بمدة طويلة على قول ابن إسحاق كما تقدم بسطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية