صفحة جزء
باب قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

3844 حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله حدثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة قلت نعم وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت قال فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير فسلمنا فرد السلام قال وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلاما بمكة فكنت أسترضع له فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلكأني نظرت إلى قدميك قال فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة قال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر قال فلما أن خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكمنتلحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال فكان ذاك العهد به فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا فقيل لي إنه لا يهيج الرسل قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال آنت وحشي قلت نعم قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الأمر ما بلغك قال فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني قال فخرجت فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان قال فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته قال قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود
[ ص: 425 ] قوله : ( قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ) كذا لأبي ذر ، ولغيره " باب قتل حمزة " فقط ، وللنسفي " قتل حمزة سيد الشهداء " وهذا اللفظ قد ثبت في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب .

قوله : ( حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله ) أي ابن المبارك المخرمي بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء البغدادي ، روى عنه البخاري هنا وفي الطلاق ، وشيخه حجين بن المثنى بمهملة ثم جيم وآخره نون مصغر ، أصله من اليمامة وسكن بغداد وولي قضاء خراسان ، وهو من أقران كبار شيوخ البخاري لكن لم يسمع منه البخاري ، وليس له عنده سوى هذا الموضع .

قوله : ( عن عبد الله بن الفضل ) هو ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين .

قوله : ( عن جعفر بن عمرو بن أمية ) هو الضمري ، وأبوه هو الصحابي المشهور ، هذا هو المحفوظ ، وكذا رواه أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز أخرجه الطبراني وقد رواه أبو داود الطيالسي عن عبد العزيز شيخ حجين بن المثنى فيه فقال : " عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عدي بن الخيار [ ص: 426 ] قال : أقبلنا من الروم " فذكر الحديث ، والمحفوظ " عن جعفر بن عمرو قال : خرجت مع عبيد الله بن عدي " وكذا أخرجه ابن إسحاق " عن عبد الله بن الفضل عن سليمان عن جعفر قال : خرجت أنا وعبيد الله " فذكره ، وكذا أخرجه ابن عائذ في المغازي " عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن جعفر بن عمرو بن أمية قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي " وللطبراني من وجه آخر عن ابن جابر .

قوله : ( خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار ) النوفلي الذي تقدم ذكره في مناقب عثمان ، زاد أحمد بن خالد الوهبي عن عبد العزيز بن عبد الله " فأدربنا " أي دخلنا درب الروم مجاهدين " فلما مررنا بحمص " وكذا في رواية ابن إسحاق . وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر " خرجت أنا وعبيد الله بن عدي غازيين الطائفة زمن معاوية ، فلما قفلنا مررنا بحمص " .

قوله : ( هل لك في وحشي ) أي ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم .

قوله : ( نسأله عن قتل حمزة ) في رواية الكشميهني " فنسأله عن قتله حمزة " زاد ابن إسحاق كيف قتله ؟

قوله : ( فسألنا عنه ، فقيل لنا ) في رواية ابن إسحاق " فقال لنا رجل ونحن نسأل عنه : إنه غلب عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا تجداه عربيا يحدثكما بما شئتما ، وإن تجداه على غير ذلك فانصرفا عنه " وفي رواية الطيالسي نحوه وقال فيه : " إن أدركتماه شاربا فلا تسألاه " .

قوله : ( كأنه حميت ) بمهملة وزن رغيف ، أي زق كبير ، وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءا ، وفي رواية لابن عائذ " فوجدناه رجلا سمينا محمرة عيناه " وفي رواية الطيالسي " فإذا به قد ألقي له شيء على بابه وهو جالس صاح " وفي رواية ابن إسحاق " على طنفسة له " وزاد " فإذا شيخ كبير مثل البغاث " يعني بفتح الموحدة والمعجمة الخفيفة وآخره مثلثة وهو طائر ضعيف الجثة كالرخمة ونحوها مما لا يصيد ولا يصاد .

قوله : ( معتجر ) أي لاف عمامته على رأسه من غير تحنيك .

قوله : ( يا وحشي أتعرفني ) في رواية ابن إسحاق " فلما انتهينا إليه سلمنا عليه فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي فقال : ابن العدي بن الخيار أنت ؟ قال : نعم . فيحتمل أن يكون قال له ذلك بعد أن قال له " أتعرفني " .

قوله : ( أم قتال ) بكسر القاف بعدها مثناة خفيفة ، وفي رواية الكشميهني بموحدة ، والأول أصح ، وهي عمة عتاب بن أسيد أي ابن أبي العيص بن أمية .

قوله : ( أسترضع له ) أي أطلب له من يرضعه ، زاد في رواية ابن إسحاق " والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك ، فلمعت لي قدمك حين رفعتك ، فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتها " وهذا يوضح قوله في رواية الباب " فكأني نظرت إلى قدميك " يعني أنه شبه قدميه بقدم الغلام الذي حمله فكان هو هو ، وبين الرؤيتين قريب من خمسين سنة ، فدل ذلك على ذكاء مفرط ، ومعرفة تامة بالقيافة .

[ ص: 427 ] قوله : ( ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال : نعم ) في رواية الطيالسي " فقال : سأحدثكما كما حدثت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سألني " .

قوله : ( فلما أن خرج الناس ) أي قريش ومن معهم ( عام عينين ) أي سنة أحد وقوله : " عينين جبل بحيال أحد " أي من ناحية أحد ، يقال : فلان حيال كذا بالمهملة المكسورة بعد تحتانية خفيفة أي مقابله ، وهو تفسير من بعض رواته . والسبب في نسبة وحشي العام إليه دون أحد أن قريشا كانوا نزلوا عنده . قال ابن إسحاق : نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة .

قوله : ( خرجت مع الناس إلى القتال ) في رواية الطيالسي " فانطلقت يوم أحد معي حربتي ، وأنا رجل من الحبشة ألعب لعبهم ، قال : وخرجت ما أريد أن أقتل ولا أقاتل إلا حمزة ، وعند ابن إسحاق : وكان وحشي يقذف بالحربة قذف الحبشة قلما يخطئ .

قوله : ( خرج سباع ) بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة وهو ابن عبد العزى الخزاعي ثم الغبشاني بضم المعجمة وسكون الموحدة ثم معجمة ، ذكر ابن إسحاق أن كنيته أبو نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية .

قوله : ( فخرج إليه حمزة ) في رواية الطيالسي " فإذا حمزة كأنه جمل أورق ما يرفع له أحد إلا قمعه بالسيف ، فهبته . وبادر إليه رجل من ولد سباع " كذا قال ، والذي في الصحيح هو الصواب ، وعند ابن إسحاق " فجعل يهد الناس بسيفه " وعند ابن عائذ " فرأيت رجلا إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : حمزة . قلت : هذا حاجتي " .

قوله : ( يا ابن أم أنمار ) بفتح الهمزة وسكون النون هي أمه ، كانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس .

قوله : ( مقطعة البظور ) بالظاء المعجمة جمع بظر وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان ، قال ابن إسحاق : كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء ا هـ . والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم ، وإلا قالوا : خاتنة وذكرعمر بن شبة في " كتاب مكة " عن عبد العزيز بن المطلب أنها أم سباع وعبد العزى الخزاعي ، وكانت أمة وهي والدة خباب بن الأرت الصحابي المشهور .

قوله : ( أتحاد ) بمهملتين وتشديد الدال أي أتعاند ، وأصل المحاددة أن يكون ذا في حد وذا في حد ، ثم استعمل في المحاربة والمعاداة . وقوله : " كأمس الذاهب " هي كناية عن قتله أي صيره عدما ، وفي رواية ابن إسحاق " فكأنما أخطأ رأسه " وهذا يقال عند المبالغة في الإصابة .

قوله : ( وكمنت ) بفتح الميم أي اختفيت . وفي رواية ابن عائذ " عند شجرة " وعند ابن أبي شيبة من مرسل عمير بن إسحاق أن حمزة عثر فانكشفت الدرع عن بطنه فأبصره العبد الحبشي فرماه بالحربة .

قوله : ( في ثنته ) بضم المثلثة وتشديد النون هي العانة ، وقيل : ما بين السرة والعانة ، وللطيالسي " فجعلت ألوذ من حمزة بشجرة ومعي حربتي حتى إذا استمكنت منه هززت الحربة حتى رضيت منها ، ثم أرسلتها فوقعت بين [ ص: 428 ] ثندوتيه ، وذهب يقوم فلم يستطع " ا هـ . والثندوة بفتح المثلثة وسكون النون وضم المهملة بعدها واو خفيفة هي من الرجل موضع الثدي من المرأة . والذي في الصحيح أن الحربة أصابت ثنته أصح .

قوله : ( فلما رجع الناس ) أي إلى مكة ، زاد الطيالسي " فلما جئت عتقت " ولابن إسحاق " فلما قدمت مكة عتقت ، وإنما قتلته لأعتق " .

قوله : ( حتى فشا فيها الإسلام ) في رواية ابن إسحاق " فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة هربت إلى الطائف " .

قوله : ( فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) في رواية ابن إسحاق " فلما خرج وفد الطائف ليسلموا تغمت علي المذاهب فقلت : ألحق باليمن أو الشام أو غيرها .

قوله : ( رسلا ) كذا لأبي ذر وأبي الوقت ، ولغيرهما رسولا بالإفراد ، كان أول من قدم من ثقيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة عروة بن مسعود فأسلم ، ورجع فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه ، ثم ندموا فأرسلوا وفدهم - وهم عمرو بن وهب بن مغيث وشرحبيل بن غيلان بن مسلمة وعبد ياليل بن عمرو بن عمير ، هؤلاء الثلاثة من الأحلاف ، وعثمان بن أبي العاص ، وأوس بن عوف ونمير بن حرشة ، وهؤلاء الثلاثة من بني مالك ، ذكر ذلك محمد بن إسحاق مطولا ، وزاد ابن إسحاق أن الوفد كانوا سبعين رجلا ، وكان الستة رؤساءهم ، وقيل : كان الجميع سبعة عشر ، قال : وهو أثبت .

قوله : ( فقيل لي : إنه لا يهيج الرسل ) أي لا ينالهم منه إزعاج ، وفي رواية الطيالسي " فأردت الهرب إلى الشام ، فقال لي رجل : ويحك ، والله ما يأتي محمدا أحد بشهادة الحق إلا خلى عنه . قال : فانطلقت فما شعر بي إلا وأنا قائم على رأسه أشهد بشهادة الحق " وعند ابن إسحاق " فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه " .

قوله : ( قال : أنت قتلت حمزة ؟ قلت : قد كان من الأمر ما قد بلغك ) في رواية الطيالسي " فقال : ويحك ، حدثني عن قتل حمزة . قال : فأنشأت أحدثه كما حدثتكما " وعند يونس بن بكير في المغازي عند ابن إسحاق قال فقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا وحشي ، فقال : دعوه فلإسلام رجل واحد أحب إلي من قتل ألف كافر .

قوله : ( فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني ) في رواية الطيالسي " فقال : غيب وجهك عني فلا أراك " .

قوله : ( قال : فخرجت ) زاد الطيالسي " فكنت أتقي أن يراني " . ولابن عائذ " فما رآني حتى مات " . وعند الطبراني فقال : يا وحشي ، اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله .

قوله : ( فقلت : لأخرجن إلى مسيلمة ) في رواية الطيالسي " فلما كان من أمر مسيلمة ما كان انبعثت مع البعث فأخذت حربتي " ولابن إسحاق نحوه .

قوله : ( فأكافئ به حمزة ) بالهمز أي أساويه به ، وقد فسره بعد بقوله : " فقتلت خير الناس وشر الناس " قوله " فكان من أمره ما كان " أي من محاربته ، وقتل جمع من الصحابة في الواقعة التي كانت بينهم وبينه ، ثم كان الفتح [ ص: 429 ] للمسلمين بقتل مسيلمة كما سيأتي بيان ذلك في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى .

قوله : ( في ثلمة جدار ) أي خلل جدار .

قوله : ( جمل أورق ) أي لونه مثل الرماد ، وكان ذلك من غبار الحرب . وقوله : " ثائر الرأس " أي شعره منتفش .

قوله : ( فوضعتها ) في رواية الكشميهني " فأضعها " .

قوله : ( ووثب إليه رجل من الأنصار ) هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني كما جزم به الواقدي وإسحاق ابن راهويه والحاكم ، وقيل : هو عدي بن سهل جزم به سيف في " كتاب الردة " وقيل : أبو دجانة ، وقيل : زيد بن الخطاب . والأول أشهر ، ولعل عبد الله بن زيد هو الذي أصابته ضربته ، وأما الآخران فحملا عليه في الجملة . وأغرب وثيمة في " كتاب الردة " فزعم أن الذي ضرب مسيلمة هو شن بفتح المعجمة وتشديد النون ابن عبد الله ، وأنشد له :


ألم تر أني ووحشيهم ضربنا مسيلمة المفتتن

    يسائلني الناس عن قتله
فقلت ضربت وهذا طعن

    فلست بصاحبه دونه
وليس بصاحبه دون شن



وأغرب من ذلك ما حكى ابن عبد البر أن الذي قتل مسيلمة هو خلاس بن بشير بن الأصم .

قوله : ( فضربه بالسيف على هامته ) في رواية الطيالسي " فربك أعلم أينا قتله ، فإن أك قتلته فقد قتلت خير الناس وشر الناس " .

قوله : ( قال عبد الله بن الفضل ) هو موصول بالإسناد المذكور أولا ، وفي رواية الطيالسي " فقال سليمان بن يسار : سمعت ابن عمر يقول : " زاد ابن إسحاق في روايته " وكان قد شهد اليمامة " .

قوله : ( فقالت جارية على ظهر بيت : واأمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود ) هذا فيه تأييد لقول وحشي أنه قتله ، لكن في قول الجارية أمير المؤمنين نظر ؛ لأن مسيلمة كان يدعي أنه نبي مرسل من الله ، وكانوا يقولون له : يا رسول الله ، ونبي الله ، والتلقيب بأمير المؤمنين حدث بعد ذلك ، وأول من لقب به عمر ، وذا كله بعد قتل مسيلمة بمدة ، فليتأمل هذا . وأما قول ابن التين : كان مسيلمة تسمى تارة بالنبي وتارة بأمير المؤمنين ، فإن كان أخذه من هذا الحديث فليس بجيد ، وإلا فيحتاج إلى نقل بذلك والذي في رواية الطيالسي " قال ابن عمر : كنت في الجيش يومئذ ، فسمعت قائلا يقول في مسيلمة : قتله العبد الأسود " ولم يقل : أمير المؤمنين ، ويحتمل أن تكون الجارية أطلقت عليه الأمير باعتبار أن أمر أصحابه كان إليه وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به ، ولم تقصد إلى تلقيبه بذلك ، والله أعلم .

ثم وجدت في كلام أبي الخطاب بن دحية الإنكار على من أطلق أن عمر أول من لقب أمير المؤمنين وقال : قد تسمى به مسيلمة قبله ، كما أخرجه البخاري في قصة وحشي ، يشير إلى هذه الرواية . وتعقبه ابن الصلاح ثم النووي . قال النووي : وذكر ابن الصلاح أن الذي ذكره ابن دحية ليس بصحيح ، فإنه ليس في هذا الحديث إلا أن الجارية صاحت لما أصيب مسيلمة : واأمير المؤمنين ، ولا يلزم من ذلك تسميته [ ص: 430 ] بذلك . ا هـ . واعترض مغلطاي أيضا بأن أول من قيل له أمير المؤمنين عبد الله بن جحش ، وهو متعقب أيضا بأنه لم يلقب به ، وإنما خوطب بذلك لأنه كان أول أمير في الإسلام على سرية . وفي حديث وحشي من الفوائد غير ما تقدم ما كان عليه من الذكاء المفرط ، ومناقب كثيرة لحمزة ، وفيه أن المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى ، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما . وفيه أن الإسلام يهدم ما قبله ، والحذر في الحرب ، وأن لا يحتقر المرء منها أحدا ، فإن حمزة لا بد أن يكون رأى وحشيا في ذلك اليوم لكنه لم يحترز منه احتقارا منه إلى أن أتي من قبله .

وذكر ابن إسحاق قال : " حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتمس حمزة ، فوجده ببطن الوادي قد مثل به ، فقال : لولا أن تحزن صفية - يعني بنت عبد المطلب - وتكون سنة بعدي لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير زاد ابن هشام قال : وقال : لن أصاب بمثلك أبدا . ونزل جبريل فقال : إن حمزة مكتوب في السماء أسد الله وأسد رسوله وروى البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حمزة قد مثل به قال : رحمة الله عليك ، لقد كنت وصولا للرحم ، فعولا للخير ، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى . ثم حلف وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم ، فنزل القرآن وإن عاقبتم الآية " وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني من حديث أبي بن كعب قال : " مثل المشركون بقتلى المسلمين ، فقال الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما من الدهر لنزيدن عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل : لا قريش بعد اليوم ، فأنزل الله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كفوا عن القوم " . وعند ابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس نحو حديث أبي هريرة باختصار ، وقال في آخره " فقال : بل نصبر يا رب " وهذه طرق يقوي بعضها بعضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية