صفحة جزء
باب الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم

4003 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم
قوله : ( باب الشاة التي سمت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ) أي جعل فيها السم ، والسم مثلث السين .

قوله : ( رواه عروة عن عائشة ) لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقا أيضا ، وسيأتي ذكره هناك .

قوله : ( حدثني سعيد ) هو ابن سعيد المقبري .

قوله : ( لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم ) هكذا أورده مختصرا ، وقد سبق مطولا في أواخر الجزية فذكر هذا الطرف وزاد " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اجمعوا لي من كان هاهنا من يهود " فذكر الحديث . وسيأتي شرح ما يتعلق بذلك في كتاب الطب . قال أبو إسحاق : لما اطمأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح خيبر أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية ، وكانت [ ص: 569 ] سألت : أي عضو من الشاة أحب إليه ؟ قيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها من السم ، فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها ، وأكل معه بشر بن البراء فأساغ لقمته ، فذكر القصة ، وأنه صفح عنها ، وأن بشر بن البراء مات منها . وروى البيهقي من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاة مسمومة فأكل ، فقال لأصحابه : أمسكوا فإنها مسمومة ، وقال لها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : أردت إن كنت نبيا فيطلعك الله ، وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك ، قال : فما عرض لها . ومن طريق أبي نضرة عن جابر نحوه فقال : " فلم يعاقبها " .

وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري عن أبي بن كعب مثله ، وزاد " فاحتجم على الكاهل " قال : قال الزهري : " فأسلمت فتركها " قال معمر : والناس يقولون : قتلها .

وأخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة له هذه القصة مطولة وفي آخره " قال : فدفعها إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها " قال الواقدي : وهو الثبت . وأخرج أبو داود من طريق يونس عن الزهري عن جابر نحو رواية معمر عنه ، وهذا منقطع ؛ لأن الزهري لم يسمع من جابر ، ومن طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة نحوه مرسلا . قال البيهقي : وصله حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال البيهقي : يحتمل أن يكون تركها أولا ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها ، وبذلك أجاب السهيلي وزاد : أنه كان تركها ؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه ، ثم قتلها ببشر قصاصا .

قلت : ويحتمل أن يكون تركها لكونها أسلمت ، وإنما أخر قتلها حتى مات بشر ؛ لأن بموته تحقق وجوب القصاص بشرطه . ووافق موسى بن عقبة على تسميتها زينب بنت الحارث . وأخرج الواقدي بسند له عن الزهري " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ما حملك على ما فعلت ؟ قالت : قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي " . قال : فسألت إبراهيم بن جعفر فقال : عمها يسار وكان من أجبن >[1] الناس ، وهو الذي أنزل من الرف ، وأخوها زبير ، وزوجها سلام بن مشكم . ووقع في سنن أبي داود " أخت مرحب " وبه جزم السهيلي . وعند البيهقي في الدلائل " بنت أخي مرحب " ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت ، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه ولفظه بعد قولها : وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك ، وقد استبان لي الآن أنك صادق ، وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك ، وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله قال : فانصرف عنها حين أسلمت .

وقد اشتملت قصة خيبر على أحكام كثيرة : منها جواز قتال الكفار في أشهر الحرم ، والإغارة على من بلغته الدعوة بغير إنذار ، وقسمة الغنيمة على السهام ، وأكل الطعام الذي يصاب من المشركين قبل القسمة لمن يحتاج إليه بشرط أن لا يدخره ولا يحوله ، وأن مدد الجيش إذا حضر بعد انقضاء الحرب يسهم له إن رضي الجماعة كما وقع لجعفر والأشعريين ، ولا يسهم لهم إذا لم يرضوا كما وقع لأبان بن سعيد وأصحابه ، وبذلك يجمع بين الأخبار . ومنها تحريم لحوم الحمر الأهلية ، وأن ما لا يؤكل لحمه لا يطهر بالذكاة ، وتحريم متعة النساء ، وجواز المساقاة والمزارعة ، ويثبت عقد الصلح والتوثق من أرباب التهم ، وأن من خالف من أهل الذمة ما شرط عليه انتقض عهده وهدر دمه ، وأن من أخذ شيئا من الغنيمة قبل القسمة لم يملكه ولو كان دون حقه ، وأن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها ، وجواز إجلاء أهل الذمة إذا استغنى عنهم ، وجواز البناء بالأهل بالسفر ، والأكل من طعام أهل الكتاب وقبول هديتهم ، وقد ذكرت غالب هذه الأحكام في أبوابها ، والله الهادي للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية