صفحة جزء
باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصار

4085 حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا الأعمش قال حدثني سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها فقال ادخلوها فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف
قوله : ( باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ، ويقال : إنها سرية الأنصاري ) قلت : كذا ترجم ، وأشار بأصل الترجمة إلى ما رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق عمر بن الحكم عن أبي سعيد الخدري قال : " بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم ، حتى انتهينا إلى رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر ، وكانت فيه دعابة " الحديث . وذكر ابن سعد هذه القصة بنحو هذا السياق . وذكر أن سببها أنه بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدة ، فبعث إليهم [ ص: 656 ] علقمة بن مجزز في ربيع الآخر في سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر ، فلما خاض البحر إليهم هربوا ، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهلهم ، فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل . وذكر ابن إسحاق أن سبب هذه القصة أن وقاص بن مجزز كان قتل يوم ذي قرد ، فأراد علقمة بن مجزز أن يأخذ بثأره فأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه السرية . قلت : وهذا يخالف ما ذكره ابن سعد ، إلا أن يجمع بأن يكون أمر بالأمرين ، وأرخها ابن سعد في ربيع الآخر سنة تسع ، فالله أعلم . وأما قوله : " ويقال : إنها سرية الأنصاري " فأشار بذلك إلى احتمال تعدد القصة ، وهو الذي يظهر لي لاختلاف سياقهما واسم أميرهما ، والسبب في أمره بدخولهم النار ، ويحتمل الجمع بينهما بضرب من التأويل ، ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا ، فقد تقدم بيان نسب عبد الله بن حذافة في كتاب العلم ، ويحتمل الحمل على المعنى الأعم أي أنه نصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجملة ، وإلى التعدد جنح ابن القيم . وأما ابن الجوزي فقال : قوله : من الأنصار وهم من بعض الرواة وإنما هو سهمي . قلت : ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم الآية ، نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ، وسيأتي في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى . وقد رواه شعبة عن زبيد اليامي عن سعد بن عبيدة فقال : " رجلا " ولم يقل : من الأنصار ولم يسمه ، أخرجه المصنف في كتاب خبر الواحد . وأما علقمة بن مجزز فهو بضم أوله وجيم مفتوحة ومعجمتين الأولى مكسورة ثقيلة وحكي فتحها والأول أصوب ، وقال عياض : وقع لأكثر الرواة بسكون المهملة وكسر الراء المهملة ، وعن القابسي بجيم ومعجمتين وهو الصواب . قلت : وأغرب الكرماني فحكى أنه بالحاء المهملة وتشديد الراء فتحا وكسرا ، وهو خطأ ظاهر ، وهو ولد القائف الذي يأتي ذكره في النكاح في حديث عائشة في قوله في زيد بن حارثة وابنه أسامة : " إن بعض هذه الأقدام لمن بعض " فعلقمة صحابي ابن صحابي .

قوله : ( حدثنا عبد الواحد ) هو ابن زياد .

قوله : ( حدثني سعد بن عبيدة ) بالتصغير .

قوله : ( عن أبي عبد الرحمن ) هو السلمي .

قوله : ( فغضب ) في رواية حفص بن غياث عن الأعمش في الأحكام " فغضب عليهم " وفي رواية مسلم " فأغضبوه في شيء " .

قوله : ( فقال : أوقدوا نارا ) في رواية حفص " فقال : عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها " وهذا يخالف حديث أبي سعيد ، فإن فيه فأوقد القوم نارا ليصنعوا عليها صنيعا لهم أو يصطلون ، فقال لهم : أليس عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى . قال : أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار .

قوله : ( فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا ) في رواية حفص " فلما هموا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض " وفي رواية ابن جرير من طريق أبي معاوية عن الأعمش " فقال لهم شاب منهم : لا تعجلوا بدخولها " وفي رواية زبيد عن سعد بن عبيدة في خبر الواحد " فأرادوا أن يدخلوها ، وقال آخرون : إنما فررنا منها " .

قوله : ( فما زالوا حتى خمدت النار ) في رواية حفص " فبينما هم كذلك إذ خمدت النار " وخمدت هو بفتح الميم أي طفئ لهبها ، وحكى المطرزي كسر الميم من خمدت .

قوله : ( فسكن غضبه ) هذا أيضا يخالف حديث أبي سعيد ، فإن فيه أنه كانت به دعابة ، وفيه أنهم تحجزوا [ ص: 657 ] حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال : احبسوا أنفسكم فإنما كنت أضحك معكم .

قوله : ( فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم - ) في رواية حفص " فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم " .

قوله : ( ما خرجوا منها إلى يوم القيامة ) في رواية حفص " ما خرجوا منها أبدا " وفي رواية زبيد " فلم يزالوا فيها إلى يوم القيامة " يعني أن الدخول فيها معصية ، والعاصي يستحق النار . ويحتمل أن يكون المراد لو دخلوها مستحلين لما خرجوا منها أبدا . وعلى هذا ففي العبارة نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام ، لأن الضمير في قوله : " لو دخلوها " للنار التي أوقدوها ، والضمير في قوله : " ما خرجوا منها أبدا " لنار الآخرة ؛ لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم . ويحتمل وهو الظاهر أن الضمير للنار التي أوقدت لهم أي ظنوا أنهم إذا دخلوا بسبب طاعة أميرهم لا تضرهم ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا فماتوا ، فلم يخرجوا .

قوله : ( الطاعة في المعروف ) في رواية حفص إنما الطاعة في المعروف وفي رواية زبيد " وقال للآخرين : لا طاعة في معصية " وفي رواية مسلم من هذا الوجه " وقال للآخرين - أي الذين امتنعوا - قولا حسنا " وفي حديث أبي سعيد من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه . وفي الحديث من الفوائد أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع ، وأن الغضب يغطي على ذوي العقول . وفيه أن الإيمان بالله ينجي من النار لقولهم : " إنما فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار " والفرار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرار إلى الله والفرار إلى الله يطلق على الإيمان ، قال الله تعالى : ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين . وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير ، فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حال الأمر بالمعصية ، فبين لهم - صلى الله عليه وسلم - أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية ، وسيأتي مزيد لهذه المسألة في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى . واستنبط منه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ لانقسام السرية قسمين : منهم من هان عليه دخول النار فظنه طاعة ، ومنهم من فهم حقيقة الأمر وأنه مقصور على ما ليس بمعصية ، فكان اختلافهم سببا لرحمة الجميع . قال : وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير ، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه ، ولهذا قال بعض أهل المعرفة : من صدق مع الله وقاه الله ، ومن توكل على الله كفاه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية