صفحة جزء
باب ذهاب جرير إلى اليمن

4101 حدثني عبد الله بن أبي شيبة العبسي حدثنا ابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ذو عمرو لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم فقالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال أفلا جئت بهم فلما كان بعد قال لي ذو عمرو يا جرير إن بك علي كرامة وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك ويرضون رضا الملوك
قوله : ( باب ذهاب جرير ) أي ابن عبد الله البجلي ( إلى اليمن ) ذكر الطبراني من طريق إبراهيم بن جرير عن أبيه قال : " بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن أقاتلهم وأدعوهم أن يقولوا لا إله إلا الله " فالذي يظهر أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة ، ويحتمل أن يكون بعثه إلى الجهتين على الترتيب ، ويؤيده ما وقع عند ابن حبان في حديث جرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا جرير إنه لم يبق من طواغيت الجاهلية إلا بيت ذي الخلصة فإنه يشعر بتأخير هذه القصة جدا ، وسيأتي في حجة الوداع أن جريرا شهدها فكأن إرساله كان بعدها ، فهدمها ثم توجه إلى اليمن ، ولهذا لما رجع بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : ( حدثني عبد الله بن أبي شيبة ) هو أبو بكر واسم أبيه محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي بالموحدة الحافظ ، وابن إدريس هو عبد الله ، وقيس هو ابن أبي حازم ، والإسناد كله كوفيون .

قوله : ( كنت باليمن ) في رواية أبي إسحاق عن جرير عند ابن عساكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى ذي عمرو وذي الكلاع يدعوهما إلى الإسلام فأسلما ، قال : " وقال لي ذو الكلاع : ادخل على أم شرحبيل " يعني زوجته . وعند الواقدي في الردة بأسانيد متعددة نحو هذا .

قوله : ( فلقيت رجلين من أهل اليمن ) في رواية الإسماعيلي " كنت باليمن ، فأقبلت ومعي ذو الكلاع وذو عمرو " وهذه الرواية أبين ، وذلك أن جريرا قضى حاجته من اليمن وأقبل راجعا يريد المدينة فصحبه من ملوك اليمن [ ص: 677 ] ذو الكلاع وذو عمرو ، فأما ذو الكلاع فهو بفتح الكاف وتخفيف اللام واسمه إسميفع بسكون المهملة وفتح الميم وسكون التحتانية وفتح الفاء وبعدها مهملة ، ويقال : أيفع بن باكوراء ويقال : ابن حوشب بن عمرو . وأما ذو عمرو فكان أحد ملوك اليمن وهو من حمير أيضا ، ولم أقف على اسم غيره ، ولا رأيت من أخباره أكثر مما ذكر في حديث الباب ، وكانا عزما على التوجه إلى المدينة فلما بلغهما وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر .

قوله : ( لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك ) أي حقا ، في رواية الإسماعيلي " لئن كان كما تذكر " وقوله : " لقد مر على أجله " جواب لشرط مقدر ، أي إن أخبرتني بهذا أخبرك بهذا ، وهذا قاله ذو عمرو عن اطلاع من الكتب القديمة لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم وتعلموا منهم ، وذلك بين في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب ، وقال الكرماني : يحتمل أن يكون سمع من بعض القادمين من المدينة سرا ، أو أنه كان في الجاهلية كاهنا ، أو أنه صار بعد إسلامه محدثا أي بفتح الدال ، وقد تقدم تفسيره وأنه الملهم . قلت : وسياق الحديث يدل على ما قررته ؛ لأنه علق ما ظهر له من وفاته على ما أخبره به جرير من أحواله ، ولو كان ذلك مستفادا من غير ما ذكرته لما احتاج إلى بناء ذلك على ذلك ؛ لأن الأولين خبر محض والثالث وقوع شيء في النفس عن غير قصد ، وقد روى الطبراني من طريق زياد بن علاقة عن جرير في هذه القصة قال . " قال لي حبر باليمن " وهذا يؤيد ما قلته فلله الحمد .

قوله : ( فأخبرت أبا بكر بحديثهم قال : أفلا جئت بهم ) كأنه جمع باعتبار من كان معهما من الأتباع .

قوله : ( فلما كان بعد إلخ ) لعل ذلك كان لما هاجر ذو عمرو في خلافة عمر ، وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه ; فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين فقال ذو الكلاع : هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة . وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن أطاعه . وذكر ابن الكلبي في النسب أن ذا الكلاع كان جميلا ، فكان إذا دخل مكة يتعمم . وشهد صفين مع معاوية وقتل بها .

قوله : ( تآمرتم ) بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم ، أو بالقصر وتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضا منكم أو عهد من الأول .

قوله : ( فإذا كانت ) أي الإمارة ( بالسيف ) أي بالقهر والغلبة ( كانوا ملوكا ) أي الخلفاء ، وهذا دليل على ما قررته أن ذا عمرو كان له اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة ، وإشارته بهذا الكلام تطابق الحديث الذي أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره من حديث سفينة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا قال ابن التين : ما قاله ذو عمرو وذو الكلاع لا يكون إلا عن كتاب أو كهانة ، وما قاله ذو عمرو لا يكون إلا عن كتاب . قلت : ولا أدري لم فرق بين المقالتين والاحتمال فيهما واحد ، بل المقالة الأخيرة يحتمل أن تكون من جهة التجربة .

التالي السابق


الخدمات العلمية