صفحة جزء
باب قصة الأسود العنسي

4118 حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن عبيدة بن نشيط وكان في موضع آخر اسمه عبد الله أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث وكان تحته بنت الحارث بن كريز وهي أم عبد الله بن عامر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وهو الذي يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه فقال له مسيلمة إن شئت خليت بيننا وبين الأمر ثم جعلته لنا بعدك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت وهذا ثابت بن قيس وسيجيبك عني فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال عبيد الله بن عبد الله سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكر فقال ابن عباس ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب
قوله : ( قصة الأسود العنسي ) بسكون النون ، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا .

قوله : ( حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ) بفتح الجيم وسكون الراء ، كوفي ثقة مكثر ، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري ، وصالح هو ابن كيسان .

[ ص: 694 ] قوله : ( عن ابن عبيدة بن نشيط ) بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة .

قوله : ( وكان في موضع آخر اسمه عبد الله ) أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد الله بن عبيدة لا أخوه موسى ، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد الله ثقة ، وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة . وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق : صالح بن كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود . وساق البخاري عنه الحديث مرسلا . وقد ذكره في الباب الذي قبله موصولا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس .

قوله : ( في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز ) وهي أم عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، والذي وقع هنا أنها أم عبد الله بن عامر ، قيل : الصواب أم أولاد عبد الله بن عامر لأنها زوجته لا أمه ، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية . وهو اعتراض متجه . ولعله كان فيه أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فإن لعبد الله بن عامر ولدا اسمه عبد الله كاسم أبيه ، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد الله بن عامر بن كريز ، ولها منه أيضا عبد الرحمن وعبد الملك ، وكانت كيسة قبل عبد الله بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب ، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت ، وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور ، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود ، فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث ، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيلي ما وقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث ، وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث . ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق ، وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود ، وكان يقال لها أيضا : بنت الحارث ، كذا صرح به محمد بن سعد في طبقات النساء فقال : رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية وساق نسبها . وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة ، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد الله بن عامر بعد ذلك . والله أعلم .

قوله : ( ثم جعلته لنا بعدك ) هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة ، إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع .

قوله : ( فقال ابن عباس : ذكر لي ) كذا فيه بضم الذال من " ذكر " على البناء للمجهول ، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة .

قوله : ( إسواران ) بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار ، والسوار بالكسر ويجوز [ ص: 695 ] الضم ، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس : وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط .

قوله : ( ففظعتهما وكرهتهما ) بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة ، يقال : فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار ، قال ابن الأثير : الفظيع الأمر الشديد ، وجاء هنا متعديا ، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي خفتهما ، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما . قلت : يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا " وكبرا علي " .

قوله : ( فقال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن ، والآخر مسيلمة الكذاب ) أما مسيلمة فقد ذكرت خبره ، وأما العنسي وفيروز فكان من قصته أن العنسي وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا : ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه ، وقيل : هو اسم شيطانه . وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية ، ويقال : إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه سجد له ، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام .

وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في " الدلائل " من طريقه من حديث النعمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ، ثم راء مضمومة ثم جيم قال : خرج الأسود الكذاب وهو من بني عنس يعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر ، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس ، وكان باذان عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - بصنعاء فمات ، فجاء شيطان الأسود فأخبره ، فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجة باذان ، فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا ; وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر ، وكان على بابه ألف حارس . فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه ، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت ، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو الأسود عن عروة : أصيب الأسود قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيوم وليلة ، فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه ، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه ، وقيل : وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية