صفحة جزء
4171 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول مع الذين أنعم الله عليهم الآية فظننت أنه خير
.

الحديث السابع حديث عائشة ذكره من طريق شعبة عن سعد وهو ابن إبراهيم المذكور قبله ، أورده عاليا مختصرا ونازلا تاما ثم أورده أتم منه من طريق الزهري عن عروة ، فأما الرواية النازلة فإنه ساقها من طريق غندر عن شعبة ، وأما الرواية العالية فأخرجها عن مسلم وهو ابن إبراهيم ولفظه مغاير للرواية الأخرى : قالت عائشة : لما مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - المرض الذي مات فيه جعل يقول : الرفيق الأعلى وهذا القدر ليس في رواية غندر منه شيء ، وقد وقع لي من طريق أحمد بن حرب عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بزيادة بعد قوله : " الذي قبض فيه " " أصابته بحة فجعلت أسمعه يقول : في الرفيق الأعلى ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الآية ، قالت : فعلمت أنه يخير " ، فكأن البخاري اقتصر من رواية مسلم بن إبراهيم على موضع الزيادة وهي قوله : " في الرفيق الأعلى " فإنها ليست من رواية غندر ، وقد اقتصر الإسماعيلي على تخريج رواية غندر دون رواية مسلم بن إبراهيم ، وأخرجه من طريق معاذ بن معاذ عن شعبة ولفظه " مثل غندر : قولها " .

قوله : ( كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير ) بضم أوله وفتح الخاء المعجمة ، ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية ، وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صحيح يقول : إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير وهو شك من الراوي هل قال : يحيى بضم أوله وفتح المهملة وتشديد التحتانية بعدها أخرى أو يخير كما في رواية سعد بن إبراهيم . وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير ، ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة [ ص: 744 ] فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة . وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل .

( تنبيه ) : فهم عائشة من قوله صلى الله عليه وسلم : " في الرفيق الأعلى " أنه خير ، نظير فهم أبيها رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم : إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده أن العبد المراد هو النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بكى كما تقدم في مناقبه .

قوله : ( وأخذته بحة ) بضم الموحدة وتشديد المهملة : شيء يعرض في الحلق فيتغير له الصوت فيغلظ ، تقول : بححت بالكسر بحا ، ورجل أبح : إذا كان ذلك فيه خلقة .

قوله : ( مع الذين أنعم الله عليهم ) في رواية المطلب عن عائشة عند أحمد " فقال : مع الرفيق الأعلى ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء إلى قوله : رفيقا " وفي رواية أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه ابن حبان " فقال : أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد ، مع جبريل وميكائيل وإسرافيل " وظاهره أن الرفيق المكان الذي تحصل المرافقة فيه مع المذكورين . وفي رواية الزهري " في الرفيق الأعلى " وفي رواية عباد عن عائشة بعد هذا قال : " اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق " وفي رواية ذكوان عن عائشة " فجعل يقول : في الرفيق الأعلى حتى قبض " ، وفي رواية ابن أبي مليكة عن عائشة " وقال : في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى " وهذه الأحاديث ترد على من زعم أن " الرفيق " تغيير من الراوي وأن الصواب الرقيع بالقاف والعين المهملة وهو من أسماء السماء . وقال الجوهري : الرفيق الأعلى الجنة . ويؤيده ما وقع عند أبي إسحاق : الرفيق الأعلى الجنة ، وقيل بل الرفيق هنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه ، والمراد الأنبياء ومن ذكر في الآية .

وقد ختمت بقوله : وحسن أولئك رفيقا ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد ، نبه عليه السهيلي . وزعم بعض المغاربة أنه يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلى الله - عز وجل - لأنه من أسمائه كما أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه إن الله رفيق يحب الرفق كذا اقتصر عليه ، والحديث عند مسلم عن عائشة فعزوه إليه أولى . قال : والرفيق يحتمل أن يكون صفة ذات كالحكيم ، أو صفة فعل . قال : ويحتمل أن يراد به حضرة القدس ، ويحتمل أن يراد به الجماعة المذكورون في آية النساء . ومعنى كونهم رفيقا تعاونهم على طاعة الله وارتفاق بعضهم ببعض ، وهذا الثالث هو المعتمد . وعليه اقتصر أكثر الشراح . وقد غلط الأزهري القول الأول ، ولا وجه لتغليطه من الجهة التي غلطه بها وهو قوله : مع الرفيق أو في الرفيق ؛ لأن تأويله على ما يليق بالله سائغ . قال السهيلي : الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتى يستفاد منه الرخصة لغيره أنه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرا بالذكر . انتهى ملخصا .

قوله : ( فظننت أنه خير ) في رواية الزهري : " فقلت إذا لا يختارنا ، فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح " وعند أبي الأسود في المغازي عن عروة " أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيره " .

( تنبيه ) : قال السهيلي : وجدت في بعض كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها - صلى الله عليه وسلم - وهو مسترضع عند حليمة " الله أكبر " وآخر كلمة تكلم بها كما في حديث عائشة " في الرفيق الأعلى " وروى الحاكم من حديث أنس " أن آخر ما تكلم به : جلال ربي الرفيع " .

[ ص: 745 ] الحديث الثامن حديث عائشة في السواك .

التالي السابق


الخدمات العلمية