صفحة جزء
باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وما يكره من الصلاة في القبور ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال القبر القبر ولم يأمره بالإعادة

417 حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى عن هشام قال أخبرني أبي عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة
[ ص: 624 ] قوله : ( باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ) أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم ، بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم . وأما قوله " لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ " فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم ، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم ، فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم ، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم ، إذ لا حرج في إهانتهم . ولا يلزم من اتخاذ [ ص: 625 ] المساجد في أمكنتها تعظيم ، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله - صلى الله عليه وسلم - في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق ، والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة ، ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه " والنصارى " ، وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة .

قوله : ( وما يكره من الصلاة في القبور ) يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين . وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعا لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها . قلت : وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة ، وأورد معه أثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة ، والأثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري ولفظه " بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر : القبر القبر ، فظن أنه يعني القمر ، فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى " وله طرق أخرى بينتها في " تعليق التعليق " منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه " فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه " وقوله " القبر القبر " بالنصب فيهما على التحذير .

وقوله : ( ولم يأمره بالإعادة ) استنبطه من تمادي أنس على الصلاة ، ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف .

قوله : ( حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى ) هو القطان ( عن هشام ) هو ابن عروة .

قوله : ( عن عائشة ) في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه " أخبرتني عائشة " .

قوله : ( أن أم حبيبة ) أي رملة بنت أبي سفيان الأموية ( وأم سلمة ) أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه .

قوله : ( ذكرتا ) كذا لأكثر الرواة ، وللمستملي والحموي " ذكرا " بالتذكير وهو مشكل .

قوله : ( رأينها ) أي هما ومن كان معهما ، وللكشميهني والأصيلي " رأتاها " وسيأتي للمصنف قريبا في " باب الصلاة في البيعة " من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية ، وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه ، وزاد في أوله " لما اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - " ومن طريق هلال عن عروة بلفظ " قال في مرضه الذي مات فيه " ولمسلم من حديث جندب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك . انتهى .

وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - .

قوله : ( إن أولئك ) بكسر الكاف ويجوز فتحها . قوله : ( فمات ) عطف على قوله " كان " وقوله " بنوا " جواب " إذا " .

[ ص: 626 ] قوله : ( وصوروا فيه تلك الصور ) وللمستملي " تيك الصور " بالياء التحتانية بدل اللام ، وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية ، وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها ، فحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك .

وفي الحديث دليل على تحريم التصوير ، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان ، وأما الآن فلا . وقد أطنب ابن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس . وقال البيضاوي : لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك ، فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد >[1] وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب ، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به ، وذم فاعل المحرمات ، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل . وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه ، وسيأتي بيان ذلك قريبا ، ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة ، وإسناده كلهم بصريون .

التالي السابق


الخدمات العلمية