صفحة جزء
باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله وقال الزهري أخبرني أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم عرضت علي النار وأنا أصلي

421 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال انخسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أريت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع
[ ص: 629 ] قوله : ( باب من صلى وقدامه تنور ) النصب على الظرف ، ( التنور ) بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة : ما توقد فيه النار للخبز وغيره ، وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض ، وربما كان على وجه الأرض ، ووهم من خصه بالأول . قيل هو معرب ، وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة ، وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به ; لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور ، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال : هو بيت نار ، أخرجه ابن أبي شيبة .

وقوله : ( أو شيء ) من العام بعد الخاص ، فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل ، والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة .

قوله : ( وقال الزهري ) هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في " باب وقت الظهر " وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد ، وحديث ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف ، فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد ، وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان ، وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال : ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها .

وقال ابن التين : لا حجة فيه على الترجمة ; لأنه لم يفعل ذلك مختارا ، وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد . وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على باطل ، فدل على أن مثله جائز . وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة .

وأحسن من هذا عندي أن يقال : لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها ، فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه ، وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني ، وهو المطابق لحديثي الباب ، ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل ، وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار ، ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال : لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال " أريت النار " ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها ، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك . قال : ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة . انتهى . وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس ، ففيه " عرضت علي النار وأنا أصلي " وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه ، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف " يا رسول الله [ ص: 630 ] رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت " أي تأخرت إلى خلف ، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار . وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا " لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي " وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية