صفحة جزء
باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى قوله والله يحب المحسنين

4344 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن الخمر التي أهريقت الفضيخ وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان قال كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا فنادى فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها قال فجرت في سكك المدينة قال وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم قال فأنزل الله ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
قوله : باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية كذا لأبي ذر ، ولغيره " إلى قوله والله يحب المحسنين " وذكر في حديث أنس " أن الخمر التي هريقت الفضيخ " وسيأتي شرحه في الأشربة . وقوله " وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان " كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره البيكندي ، ومراده أن البيكندي سمعه من شيخهما أبي النعمان بالإسناد المذكور فزاده فيه زيادة . والحاصل أن البخاري سمع الحديث من أبي النعمان مختصرا ومن محمد بن سلام البيكندي عن أبي النعمان مطولا ، وتصرف الزركشي فيه غافلا عن زيادة أبي ذر فقال : القائل " وزادني " هو الفربري ، ومحمد هو البخاري ، وليس كما ظن رحمه الله وإنما هو كما قدمته . قوله " فنزلت تحريم الخمر فأمر مناديا " الآمر بذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمنادي لم أر التصريح باسمه ، والوقت الذي وقع ذلك فيه زعم الواحدي أنه عقب قول حمزة " إنما أنتم عبيد لأبي " وحديث جابر يرد عليه . والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان ، لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال " سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ، فقال : يا فلان أما علمت أن الله حرمها ؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال : بعها . فقال : إن الذي حرم شربها حرم بيعها . وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي وعلة نحوه ، ولكن ليس فيه تعيين الوقت . وروى أحمد من طريق نافع بن كيسان الثقفي عن أبيه أنه [ ص: 129 ] كان يتجر في الخمر ، وأنه أقبل من الشام فقال : يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد ، فقال : يا كيسان إنها حرمت بعدك ، قال : فأبيعها ؟ قال ، إنها حرمت وحرم ثمنها وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل عام راوية خمر ، فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال : أشعرت أنها قد حرمت بعدك ؟ قال : أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها ؟ فنهاه . ويستفاد من حديث كيسان تسمية المبهم في حديث ابن عباس ، ومن حديث تميم تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح ، وقوله " فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم ، فأنزل الله تعالى إلخ " لم أقف على اسم القائل .

( فائدة ) :

في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبيدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث " قال حماد فلا أدري هذا في الحديث - أي عن أنس - أو قاله ثابت " أي مرسلا يعني قوله " فقال بعض القوم " إلى آخر الحديث . وكذا عند مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد نحو هذا . وتقدم للمصنف في المظالم عن أنس بطوله من طريق عفان عن حماد كما وقع عنده في هذا الباب فالله أعلم . وأخرجه ابن مردويه من طريق قتادة عن أنس بطوله وفيه الزيادة المذكورة . وروى النسائي والبيهقي من طريق ابن عباس قال " نزل تحريم الخمر في ناس شربوا ، فلما ثملوا عبثوا ، فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت ، فقال ناس من المكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأحد ، فنزلت ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح إلى آخرها . وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود ، وروى أصحاب السنن من طريق أبي ميسرة عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة قل فيهما إثم كبير فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في النساء لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت التي في المائدة فاجتنبوه - إلى قوله - منتهون فقال عمر : انتهينا انتهينا " وصححه علي ابن المديني والترمذي . وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة نحوه دون قصة عمر ، لكن قال عند نزول آية البقرة " فقال الناس : ما حرم علينا ، فكانوا يشربون ، حتى أم رجل أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فنزلت الآية التي في النساء ، فكانوا يشربون ولا يقرب الرجل الصلاة حتى يفيق ، ثم نزلت آية المائدة فقالوا : يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم وكانوا يشربونها ، فأنزل الله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو حرم عليهم لتركوه كما تركتموه وفي مسند الطيالسي من حديث ابن عمر نحوه ، وقال " في الآية الأولى قيل حرمت الخمر ، فقالوا : دعنا يا رسول الله ننتفع بها ، وفي الثانية فقيل : حرمت الخمر ، فقالوا : لا إنا لا نشربها قرب الصلاة ، وقال في الثالثة فقالوا : يا رسول الله حرمت الخمر " قال ابن التين وغيره : في حديث أنس وجوب قبول خبر الواحد والعمل به في النسخ وغيره ، وفيه عدم مشروعية تخليل الخمر ، لأنه لو جاز لما أراقوها ، وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة إن شاء الله تعالى .

( تنبيه ) :

في رواية عبد العزيز بن صهيب " أن رجلا أخبرهم أن الخمر حرمت فقالوا : أرق يا أنس " وفي رواية ثابت عن أنس " أنهم سمعوا المنادي فقال أبو طلحة : اخرج يا أنس فانظر ما هـذا الصوت " وظاهرهما التعارض لأن الأول يشعر بأن المنادي بذلك شافههم ، والثاني يشعر بأن الذي نقل لهم ذلك غير أنس ، فنقل ابن التين عن الداودي أنه قال لا اختلاف بين الروايتين ، لأن الآتي أخبر أنسا وأنس أخبر القوم . وتعقبه ابن التين بأن نص الرواية الأولى أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك . قلت : فيمكن الجمع بوجه آخر ، وهو أن [ ص: 130 ] المنادي غير الذي أخبرهم ، أو أن أنسا لما أخبرهم عن المنادي جاء المنادي أيضا في أثره فشافههم .

التالي السابق


الخدمات العلمية