صفحة جزء
باب قوله قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم الآية يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا شيعا فرقا

4352 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك قال أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أهون أو هذا أيسر
[ ص: 142 ] 4352 قوله : باب قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية ، يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا هو من كلام أبي عبيدة في الموضعين " وعند ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي مثله .

قوله : ( شيعا فرقا ) هو كلام أبي عبيدة أيضا وزاد : واحدتها شيعة ، وللطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( شيعا ) قال الأهواء المختلفة .

قوله : ( عن جابر ) وقع في الاعتصام من وجه آخر عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت جابرا ، وكذا للنسائي من طريق معمر عن عمرو بن دينار .

قوله : ( عذابا من فوقكم قال أعوذ بوجهك ) زاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمرو " الكريم " في الموضعين .

قوله : ( هذا أهون أو هذا أيسر ) هو شك من الراوي ، والضمير يعود على الكلام الأخير . ووقع في الاعتصام " هاتان أهون أو أيسر " أي خصلة الالتباس وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض ، وقد روى ابن مردويه من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر ولفظه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا ، فرفع عنهم ثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين : دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الخسف والرجم ، وأبى أن يرفع عنهم الأخريين فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله : من فوقكم أو من تحت أرجلكم ويستأنس له أيضا بقوله تعالى أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ووقع أصرح من ذلك عند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب قال في قوله تعالى عذابا من فوقكم قال الرجم أو من تحت أرجلكم قال الخسف . وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي عن شيوخه أيضا أن المراد بالعذاب من فوق الرجم ومن تحت الخسف ، وأخرج من طريق ابن عباس أن المراد بالفوق أئمة السوء وبالتحت خدم السوء . وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالتحت منع الثمرات . والأول هو المعتمد . وفي الحديث دليل على أن الخسف والرجم لا يقعان في هذه الأمة ، وفيه نظر روى أحمد والطبري من حديث أبي بن كعب في هذه الآية قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية قال " هن أربع ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم " وقد أعل هذا الحديث بأن أبي بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله لا محالة والباقي من كلام بعض الرواة ، وأعل أيضا بأنه مخالف لحديث جابر وغيره . وأجيب بأن طريق الجمع أن الإعادة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة ، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم ، وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية قل هو القادر إلى آخرها فقال : أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابر بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها . وعند أحمد بإسناد صحيح حديث صحار - بالمهملتين أوله مضموم مع التخفيف - العبدي رفعه قال لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل الحديث ، وسيأتي في كتاب الأشربة في الكلام على حديث أبي مالك الأشعري ذكر الخسف والمسخ أيضا ، وللترمذي من حديث [ ص: 143 ] عائشة مرفوعا يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ولابن أبي خيثمة من طريق هشام بن الغازي بن ربيعة الجرشي عن أبيه عن جده رفعه يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف الحديث . وورد فيه أيضا عنه عن علي وعن أبي هريرة عند وعن عثمان عند وعن ابن مسعود وابن عمر وابن عمرو وسهل بن سعد عند ابن ماجه ، وعن أبي أمامة عند أحمد ، وعن عبادة عند ولده ، وعن أنس عند البزار ، وعن عبد الله بن بسر وسعيد بن أبي راشد عند الطبراني في الكبير ، وعن ابن عباس وأبي سعيد عنده في الصغير ، وفي أسانيدها مقال غالبا لكن يدل مجموعها على أن لذلك أصلا ، ويحتمل في طريق الجمع أيضا أن يكون المراد أن ذلك لا يقع لجميعهم وإن وقع لأفراد منهم غير مقيد بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث بأوله إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها الحديث ، وفيه وإني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض ، فقال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وأخرج الطبري من حديث شداد نحوه بإسناد صحيح . فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف ، ويؤيد هذا الجمع ما روى الطبراني من مرسل الحسن قال لما نزلت قل هو القادر الآية سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ، فهبط جبريل فقال يا محمد إنك سألت ربك أربعا فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين : أن يأتيهم عذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم فيستأصلهم كما استأصل الأمم الذين كذبوا أنبياءهم ، ولكنه يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء انتهى . وكأن من قوله " وهذان إلخ " من كلام الحسن . وقد وردت الاستعاذة من خصال أخرى : منها عن ابن عباس عند ابن مردويه مرفوعا سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني اثنتين ومنعني اثنتين : سألته أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض فرفعهما الحديث ، ومنها حديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم مرفوعا سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة نحوه لكن بلفظ " أن لا يهلكوا جوعا " وهذا مما يقوي أيضا الجمع المذكور ، فإن الغرق والجوع قد يقع لبعض دون بعض ، لكن الذي حصل منه الأمان أن يقع عاما ، وعند الترمذي وابن مردويه من حديث خباب نحوه وفيه وأن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا وكذا في حديث نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه عند الطبراني وعند أحمد من حديث أبي بصرة بالباء والصاد المهملة نحوه ، لكن قال بدل خصلة الإهلاك أن لا يجمعهم على ضلالة وكذا للطبري من مرسل الحسن ، ولابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة رفعه سألت ربي لأمتي أربعا فأعطاني ثلاثا ومنعني واحدة : سألته أن لا يكفر أمتي جملة فأعطانيها ، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وللطبراني من طريق السدي مرسلا نحوه ، ودخل في قوله " بما عذب به الأمم قبلهم " الغرق كقوم نوح وفرعون ، والهلاك بالريح كعاد ، والخسف كقوم لوط وقارون ، والصيحة كثمود وأصحاب مدين ، والرجم كأصحاب الفيل وغير ذلك مما عذبت به الأمم عموما . وإذا جمعت الخصال المستعاذ منها من هذه [ ص: 144 ] الأحاديث التي سقتها بلغت نحو العشرة . وفي حديث الباب أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل رفع الخصلتين الأخيرتين فأخبر بأن ذلك قد قدر من قضاء الله وأنه لا يرد ، وأما ما زاده الطبراني من طريق أبي الزبير عن جابر في حديث الباب بعد قوله قال ليس هذا قال " ولو استعاذه لأعاذه " فهو محمول على أن جابرا لم يسمع بقية الحديث وحفظه سعد بن أبي وقاص وغيره ، ويحتمل أن يكون قائل " ولو استعاذه إلخ " بعض رواته دون جابر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية