صفحة جزء
باب قوله ومنكم من يرد إلى أرذل العمر

4430 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور عن شعيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات
[ ص: 235 ] قوله : ( باب قوله : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال سالم : اليقين الموت ) وصله الفريابي وعبد بن حميد وغيرهما من طريق طارق بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد بهذا ، وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله ، واستشهد الطبري لذلك بحديث أم العلاء في قصة عثمان بن مظعون " أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير " وقد تقدم في الجنائز مشروحا ، وقد اعترض بعض الشراح على البخاري لكونه لم يخرج هنا هـذا الحديث وقال : كان ذكره أليق من هذا ; قال ولأن اليقين ليس من أسماء الموت . قلت : لا يلزم البخاري ذلك ، وقد أخرج النسائي حديث بعجة عن أبي هريرة رفعه خير ما عاش الناس به رجل ممسك بعنان فرسه الحديث ، وفي آخره حتى يأتيه اليقين ليس هو من الناس إلا في خير فهذا شاهد جيد لقول سالم ، ومنه قوله تعالى وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين وإطلاق اليقين على الموت مجاز ، لأن الموت لا يشك فيه

قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم - سورة النحل ) سقطت البسملة لغير أبي ذر .

قوله : ( روح القدس جبريل ، نزل به الروح الأمين ) أما قوله روح القدس جبريل فأخرجه ابن أبي حاتم بإسناد رجاله ثقات عن عبد الله بن مسعود ، وروى الطبري من طريق محمد بن كعب القرظي قال : روح القدس جبريل ، وكذا جزم به أبو عبيدة وغير واحد . وأما قوله " نزل به الروح الأمين " فذكره استشهادا لصحة هذا التأويل ، فإن المراد به جبريل اتفاقا ، وكأنه أشار إلى رد ما رواه الضحاك عن ابن عباس قال : روح القدس الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى ، أخرجه ابن أبي حاتم وإسناده ضعيف .

[ ص: 236 ] قوله : ( وقال ابن عباس : في تقلبهم في اختلافهم ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه مثله ، ومن طريق سعيد عن قتادة " في تقلبهم " يقول في أسفارهم .

قوله : ( وقال مجاهد : تميد تكفأ ) هو بالكاف وتشديد الفاء مهموز ، وقيل بضم أوله وسكون الكاف . وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم قال : تكفأ بكم ، ومعنى تكفأ تقلب . وروى الطبري من حديث علي بإسناد حسن موقوفا قال : لما خلق الله الأرض قمصت ، قال فأرسى الله فيها الجبال ، وهو عند أحمد والترمذي من حديث أنس مرفوع .

قوله : ( مفرطون منسيون ) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون قال : منسيون ، ومن طريق سعيد بن جبير قال : مفرطون أي متروكون في النار منسيون فيها . ومن طريق سعيد عن قتادة قال : معجلون . قال الطبري : ذهب قتادة إلى أنه من قولهم أفرطنا فلانا إذا قدموه فهو مفرط ومنه أنا فرطكم على الحوض قلت وهذا كله على قراءة الجمهور بتخفيف الراء وفتحها وقرأها نافع بكسرها وهو من الإفراط ، وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة أي مقصرون في أداء الواجب مبالغون في الإساءة .

قوله : ( في ضيق يقال أمر ضيق وأمر ضيق مثل هين وهين ولين ولين وميت وميت ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولا تك في ضيق بفتح أوله وتخفيف ضيق كميت وهين ولين فإذا خففتها قلت ميت وهين ولين فإذا كسرت أوله فهو مصدر ضيق انتهى . وقرأ ابن كثير هنا وفي النمل بالكسر والباقون بالفتح ، فقيل على لغتين ، وقيل المفتوح مخفف من ضيق أي في أمر ضيق . واعترضه الفارسي بأن الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يدعى الحذف .

قوله : ( قال ابن عباس : تتفيأ ظلاله تتهيأ ) كذا فيه والصواب تتميل ، وقد تقدم بيانه في كتاب الصلاة .

قوله : ( سبل ربك ذللا لا يتوعر عليها مكان سلكته ) رواه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، ويتوعر بالعين المهملة ، وذللا حال في السبل أي ذللها الله لها ، وهو جمع ذلول قال تعالى جعل لكم الأرض ذلولا ومن طريق قتادة من قوله تعالى ( ذللا ) أي مطيعة ، وعلى هذا فقوله ذللا حال من فاعل اسلكي ، وانتصاب سبل على الظرفية أو على أنه مفعول به .

قوله : ( القانت المطيع ) سيأتي في آخر السورة ،

قوله : ( وقال غيره فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم هذا مقدم ومؤخر ، وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة ) المراد بالغير أبو عبيدة ، فإن هذا كلامه بعينه ، وقرره غيره فقال إذا وصله بين الكلامين ، والتقدير فإذا أخذت في القراءة فاستعذ ، وقيل هو على أصله لكن فيه إضمارا ، أي إذا أردت القراءة لأن الفعل يوجد عند القصد من غير فاصل ، وقد أخذ بظاهر الآية ابن سيرين ، ونقل عن أبي هريرة وعن مالك وهو مذهب حمزة الزيات فكانوا يستعيذون بعد القراءة ، وبه قال داود الظاهري .

قوله : ( ومعناها ) أي معنى الاستعاذة ( الاعتصام بالله ) هو قول أبي عبيدة أيضا .

[ ص: 237 ] قوله : ( وقال ابن عباس تسيمون ترعون ) روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى ومنه شجر فيه تسيمون قال : ترعون فيه أنعامكم ، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : تسيمون أي ترعون ، ومن طريق عكرمة مولى ابن عباس مثله ، وقال أبو عبيدة ، أسمت الإبل رعيتها ، وسامت هي رعت .

قوله : ( شاكلته ناحيته ) كذا وقع هنا وإنما هو في السورة التي تليها ، وقد أعاده فيها . ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي " نيته " بدل ناحيته وسيأتي الكلام عليها هناك .

قوله : ( قصد السبيل البيان ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن أبي عباس في قوله : وعلى الله قصد السبيل قال : البيان . ومن طريق العوفي عن ابن عباس مثله وزاد : البيان بيان الضلالة والهدى .

قوله : ( الدفء ما استدفأت به ) قال أبو عبيدة : الدفء ما استدفأت به من أوبارها ومنافع ما سوى ذلك ، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : لكم فيها دفء قال : الثياب . ومن طريق مجاهد قال : لباس ينسج . ومن طريق قتادة مثله .

قوله : ( تخوف تنقص ) وصله الطبري من طريق ابن أبي نيح عن مجاهد في قوله : أو يأخذهم على تخوف قال : على تنقص . وروي بإسناد فيه مجهول عن عمر أنه سأل عن ذلك فلم يجب . فقال عمر : ما رأى إلا أنه على ما ينتقصون من معاصي الله ، قال فخرج رجل فلقي أعرابيا فقال : ما فعل فلان ؟ قال تخوفته - أي تنقصته - فرجع فأخبر عمر ، فأعجبه " وفي شعر أبي كثير الهذلي ما يشهد له . وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس على تخوف قال : على تنقص من أعمالهم ، وقيل التخوف تفعل من الخوف .

قوله : ( تريحون بالعشي وتسرحون بالغداة ) قال أبو عبيدة في قوله : ولكم فيها جمال حين تريحون أي بالعشي ، وحين تسرحون أي بالغداة .

قوله : ( الأنعام لعبرة ، هي تؤنث وتذكر ، وكذلك النعم الأنعام جماعة النعم ) قال أبو عبيدة في قوله وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه : فذكر وأنث ، فقيل الأنعام تذكر وتؤنث ، وقيل المعنى على النعم فهي تذكر وتؤنث ، والعرب تظهر الشيء ثم تخبر عنه بما هو منه بسبب وإن لم يظهره كقول الشاعر :

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة وللسبع أولى من ثلاث وأطيب

أي ثلاثة أحياء ، ثم قال " من ثلاث " أي قبائل انتهى . وأنكر الفراء تأنيث النعم وقال : إنما يقال : هذا نعم ، ويجمع على نعمان بضم أوله مثل حمل وحملان .

قوله : ( أكنانا واحدها كن ، مثل حمل وأحمال ) هو تفسير أبي عبيدة ، وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله : ( أكنانا ) قال : غيرانا من الجبال يسكن فيها .

قوله : ( بشق يعني المشقة ) قال أبو عبيدة في قوله : لم تكونوا بالغيه إلا بشق أي بمشقة الأنفس . وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : إلا بشق الأنفس قال : المشقة عليكم ، ومن طريق سعيد عن قتادة إلا بشق الأنفس إلا بجهد الأنفس .

[ ص: 238 ] ( تنبيه ) : قرأ الجمهور بكسر الشين من شق ، وقرأها أبو جعفر بن القعقاع بفتحها ، قال أبو عبيدة : هما بمعنى ، وأنشد :

وذو إبل تسعى ويحبسها له     أخو نصب من شقها وذءوب

قال الأثرم صاحب أبي عبيدة : سمعته بالكسر والفتح ، وقال الفراء : معناهما مختلف ، فبالكسر معناه ذابت حتى صارت على نصف ما كانت وبالفتح المشقة انتهى . وكلام أهل التفسير يساعد الأول .

قوله : ( سرابيل قمص تقيكم الحر ، وأما سرابيل تقيكم بأسكم فإنها الدروع ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي قمصا وسرابيل تقيكم بأسكم أي دروعا . وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر قال القطن والكتان وسرابيل تقيكم بأسكم قال : دروع من حديد .

قوله : ( دخلا بينكم ، كل شيء لم يصح فهو دخل ) هو قول أبي عبيدة أيضا ، وروى ابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة قال ( دخلا ) خيانة ، وقيل الدخل الداخل في الشيء ليس منه .

قوله : ( وقال ابن عباس : حفدة من ولد الرجل ) وصله الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : بنين وحفدة قال : الولد وولد الولد ، وإسناده صحيح . وفيه عن ابن عباس قول آخر أخرجه من طريق العوفي عنه قال : هم بنو امرأة الرجل . وفيه عنه قول ثالث أخرجه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الحفدة والأصهار . ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال : الأختان . وأخرج هذا الأخير عن ابن مسعود بإسناد صحيح ، ومن طريق أبي الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير وغيرهم مثله ، وصحح الحاكم حديث ابن مسعود . وفيه قول رابع عن ابن عباس أخرجه الطبري من طريق أبي حمزة عنه قال : من أعانك فقد حفدك . ومن طريق عكرمة قال : الحفدة الخدام . ومن طريق الحسن قال : الحفدة البنون وبنو البنين ، ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك . وهذا أجمع الأقوال ، وبه تجتمع ، وأشار إلى ذلك الطبري . وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع في المشي ، فأطلق على من يسعى في خدمة الشخص ذلك .

قوله : ( السكر ما حرم من ثمرتها ، والرزق الحسن ما أحل ) وصله الطبري بأسانيد من طريق عمرو بن سفيان عن ابن عباس مثله وإسناده صحيح ، وهو عند أبي داود في " الناسخ " وصححه الحاكم ، ومن طريق سعيد بن جبير عنه قال : الرزق الحسن الحلال ، والسكر الحرام ، ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد مثله وزاد أن ذلك كان قبل تحريم الخمر ، وهو كذلك لأن سورة النحل مكية . ومن طريق قتادة : السكر خمر الأعاجم . ومن طريق الشعبي وقيل له في قوله : تتخذون منه سكرا أهو هذا الذي تصنع النبط ؟ قال لا ، هذا خمر ، وإنما السكر نقيع الزبيب ، والرزق الحسن التمر والعنب . واختار الطبري هذا القول وانتصر له .

قوله : ( وقال ابن عيينة عن صدقة ( أنكاثا ) هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته ) وصله ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن عمر العدني ، والطبري من طريق الحميدي كلاهما عن ابن عيينة عن صدقة عن السدي قال : كانت بمكة امرأة تسمى خرقاء ، فذكر مثله . وفي " تفسير مقاتل " أن اسمها بطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعند البلاذري أنها والدة أسد " بن عبد العزى بن قصي ، وأنها بنت سعد بن تميم بن مرة . وفي " غرر التبيان " أنها كانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض ذلك ، هذا دأبها لا تكف عن الغزل ولا تبقي ما غزلت . وروى الطبري من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير مثل رواية صدقة المذكور ، ومن طريق سعيد عن قتادة قال : هو مثل ضربه الله تعالى لمن نكث عهده . وروى ابن مردويه بإسناد ضعيف عن ابن عباس أنها نزلت في أم زفر الآتي ذكرها في كتاب الطب ، والله أعلم . وصدقة هذا لم أر من ذكره في رجال البخاري ، وقد أقدم الكرماني فقال : صدقة هذا هو ابن الفضل المروزي شيخ البخاري ، وهو يروي عن سفيان بن عيينة ، وهنا روى عنه سفيان ، ولا سلف له فيما ادعاه من ذلك ، ويكفي في الرد عليه ما أخرجناه من تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية صدقة هذا عن السدي ، فإن صدقة بن الفضل المروزي ما أدرك السدي ولا أصحاب السدي ، وكنت أظن أن صدقة هذا هو ابن أبي عمران قاضي الأهواز لأن لابن عيينة عنه رواية ، إلى أن رأيت في " تاريخ البخاري " صدقة أبو الهذيل ، روى عن السدي قوله روى عنه ابن عيينة ، وكذا ذكره ابن حبان في " الثقات " من غير زيادة ، وكذا ابن أبي حاتم عن أبيه لكن قال : صدقة بن عبد الله بن كثير القارئ صاحب مجاهد ، فظهر أنه غير ابن أبي عمران ، ووضح أنه من رجال البخاري تعليقا ، فيستدرك على من صنف في رجاله فإن الجميع أغفلوه ، والله أعلم .

قوله : ( وقال ابن مسعود : الأمة معلم الخير ; والقانت المطيع ) وصله الفريابي وعبد الرزاق وأبو عبيد الله في " المواعظ " والحاكم كلهم من طريق الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : " قرئت عنده هذه الآية إن إبراهيم كان أمة قانتا لله فقال ابن مسعود : إن معاذا كان أمة قانتا لله ، فسئل عن ذلك فقال : هل تدرون ما الأمة ؟ الأمة الذي يعلم الناس الخير ، والقانت الذي يطيع الله ورسوله " .

قوله : باب قوله تعالى : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ذكر فيه حديث أنس في الدعاء بالاستعاذة من ذلك وغيره ، وسيأتي شرحه في الدعوات

شعيب الراوي عن أنس هو ابن الحبحاب بمهملتين وموحدتين ، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال : أرذل العمر هو الخرف . وروى ابن مردويه من حديث أنس أنه مائة سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية