صفحة جزء
باب قوله ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك قال ابن عباس ترجئ تؤخر أرجئه أخره

4510 حدثنا زكرياء بن يحيى حدثنا أبو أسامة قال هشام حدثنا عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول أتهب المرأة نفسها فلما أنزل الله تعالى ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك
قوله : باب قوله : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك كذا للجميع ، وسقط لفظ " باب " لغير أبي ذر ، وحكى الواحدي عن المفسرين أن هذه الآية نزلت عقب نزول آية التخيير ، وذلك أن التخيير لما وقع أشفق بعض الأزواج أن يطلقهن ففوضن أمر القسم إليه ، فأنزلت ترجي من تشاء الآية .

قوله : ( قال : ابن عباس : ترجي : تؤخر ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به .

قوله : ( أرجه : أخره ) هذا من تفسير الأعراف والشعراء ، ذكره هنا استطرادا . وقد وصله ابن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن ابن عباس قال : في قوله : أرجه وأخاه قال : أخره وأخاه .

قوله : ( حدثنا زكريا بن يحيى ) هو الطائي وقيل : البلخي ، وقد تقدم بيان ذلك في العيدين .

قوله : ( حدثنا أبو أسامة قال : هشام : حدثنا ) هو من تقديم المخبر على الصيغة وهو جائز .

قوله : ( كنت أغار ) كذا وقع بالغين المعجمة من الغيرة ووقع عند الإسماعيلي من طريق محمد بن بشر عن هشام بن عروة بلفظ " كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن " بعين مهملة وتشديد .

[ ص: 386 ] قوله : ( وهبن أنفسهن ) هذا ظاهر في أن الواهبة أكثر من واحدة ، ويأتي في النكاح حديث سهل بن سعد " أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إني وهبت نفسي لك " الحديث ، وفيه قصة الرجل الذي طلبها قال : التمس ولو خاتما من حديد ومن حديث أنس أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : إن لي ابنة - فذكرت من جمالها - فآثرتك بها . فقال : قد قبلتها . فلم تزل تذكر حتى قالت : لم تصدع قط . فقال : لا حاجة لي في ابنتك وأخرجه أحمد أيضا ، وهذه امرأة أخرى بلا شك . وعند ابن أبي حاتم من حديث عائشة : التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي خولة بنت حكيم ، وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح ، فإن البخاري أشار إليه معلقا . ومن طريق الشعبي قال : من الواهبات أم شريك . وأخرجه النسائي من طريق عروة . وعند أبي عبيدة معمر بن المثنى أن من الواهبات فاطمة بنت شريح . وقيل : إن ليلى بنت الحطيم ممن وهبت نفسها له . ومنهن زينب بنت خزيمة ، جاء عن الشعبي وليس بثابت ، وخولة بنت حكيم وهو في هذا الصحيح . ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال : التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي ميمونة بنت الحارث ، وهذا منقطع . وأورده من وجه آخر مرسل وإسناده ضعيف . ويعارضه حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس " لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها له " أخرجه الطبري وإسناده حسن ، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له وإن كان مباحا له لأنه راجع إلى إرادته لقوله تعالى . إن أراد النبي أن يستنكحها ، وقد بينت عائشة في هذا الحديث سبب نزول قوله تعالى : ترجي من تشاء منهن وأشارت إلى قوله تعالى : وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي وقوله تعالى : قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وروى ابن مردويه من حديث ابن عمر ومن حديث ابن عباس أيضا قال : فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدين

قوله : ( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) أي ما أرى الله إلا موجدا لما تريد بلا تأخير ، منزلا لما تحب وتختار . وقوله : ترجي من تشاء منهن أي تؤخرهن بغير قسم ، وهذا قول الجمهور ، وأخرجه الطبري عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وغيرهم ، وأخرج الطبري أيضا عن الشعبي في قوله : ترجي من تشاء منهن قال : كن نساء وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحهن ، وهذا شاذ ، والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات كما تقدم . وقيل : المراد بقوله : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء أنه كان هم بطلاق بعضهن ، فقلن له لا تطلقنا واقسم لنا ما شئت ، فكان يقسم لبعضهن قسما مستويا ، وهن اللاتي آواهن ، ويقسم للباقي ما شاء وهن اللاتي أرجأهن . فحاصل ما نقل في تأويل ترجي أقوال : أحدها : تطلق وتمسك ، ثانيها : تعتزل من شئت منهن بغير طلاق وتقسم لغيرها ، ثالثها : تقبل من شئت من الواهبات وترد من شئت . وحديث الباب يؤيد هذا والذي قبله ، واللفظ محتمل للأقوال الثلاثة . وظاهر ما حكته عائشة من استئذانه أنه لم يرج أحدا منهن ، بمعنى أنه لم يعتزل ، وهو قول الزهري : " ما أعلم أنه أرجأ أحدا من نسائه " أخرجه ابن أبي حاتم ، وعن قتادة أطلق له أن يقسم كيف شاء فلم يقسم إلا بالسوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية