صفحة جزء
باب وقوله لا تحرك به لسانك لتعجل به وقال ابن عباس ليفجر أمامه سوف أتوب سوف أعمل لا وزر لا حصن سدى هملا

4643 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا موسى بن أبي عائشة وكان ثقة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي حرك به لسانه ووصف سفيان يريد أن يحفظه فأنزل الله لا تحرك به لسانك لتعجل به
[ ص: 548 ] قوله : ( سورة القيامة ) تقدم الكلام على لا أقسم في آخر سورة الحجر وأن الجمهور على أن " لا " زائدة والتقدير أقسم ، وقيل هي حرف تنبيه مثل " ألا " ومنه قول الشاعر :


لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر

وقوله لا تحرك به لسانك لتعجل به لم يختلف السلف أن المخاطب بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن نزول الوحي كما دل عليه حديث الباب ، وحكى الفخر الرازي أن القفال جوز أنها نزلت في الإنسان المذكور ، قبل ذلك في قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر قال : يعرض عليه كتابه فيقال : اقرأ كتابك ، فإذا أخذ في القراءة تلجلج خوفا فأسرع في القراءة فيقال : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه ، أي أن يجمع عملك وأن يقرأ عليك ، فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت ، ثم إن علينا بيان أمر الإنسان وما يتعلق بعقوبته . قال : وهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه ، وإن كانت الآثار غير واردة فيه . والحامل على ذلك عسر بيان المناسبة بين هذه الآية وما قبلها من أحوال القيامة ، حتى زعم بعض الرافضة أنه سقط من السورة شيء ، وهي من جملة دعاويهم الباطلة . وقد ذكر الأئمة لها مناسبات : منها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر القيامة ، وكان من شأن من يقصر عن العمل لها حب العاجلة ، وكان من أصل الدين أن المبادرة إلى أفعال الخير مطلوبة ، فنبه على أنه قد يعترض على هذا المطلوب ما هو أجل منه وهو الإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يريد منه ، والتشاغل بالحفظ قد يصد عن ذلك ، فأمر أن لا يبادر إلى التحفظ لأن تحفيظه مضمون على ربه ، وليصغ إلى ما يرد عليه إلى أن ينقضي فيتبع ما اشتمل عليه . ثم لما انقضت الجملة المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبدأ بذكره ومن هو من جنسه فقال : " كلا " وهي كلمة ردع ، كأنه قال : بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عجل تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة ، وهذا على قراءة تحبون بالمثناة وهي قراءة الجمهور ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة حملا على لفظ الإنسان لأن المراد به الجنس . ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكتاب المشتمل على عمل العبد حيث يعرض يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملا وتركا ، كما قال في الكهف ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه - إلى أن قال - : ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وقال : تعالى في سبحان فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم - إلى أن قال - : ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن الآية . وقال في " طه " : يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا - إلى أن قال - : فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ومنها أن أول السورة لما نزل إلى قوله ولو ألقى معاذيره صادف أنه - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل ، وحرك به لسانه من عجلته خشية من تفلته ، فنزلت لا تحرك به لسانك - إلى قوله - : ثم إن علينا بيانه ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدأ به . قال الفخر الرازي : ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مثلا مسألة فتشاغل الطالب بشيء عرض له ، فقال له : ألق بالك وتفهم ما أقول ، ثم كمل المسألة ، فمن لا يعرف [ ص: 549 ] السبب يقول ليس هذا الكلام مناسبا للمسألة ، بخلاف من عرف ذلك . ومنها أن النفس لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس المصطفى كأنه قيل : هذا شأن النفوس وأنت يا محمد نفسك أشرف النفوس فلتأخذ بأكمل الأحوال . ومنها مناسبات أخرى ذكرها الفخر الرازي لا طائل فيها مع أنها لا تخلو عن تعسف .

قوله : ( وقال ابن عباس ليفجر أمامه : سوف أتوب سوف أعمل ) وصله الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يعني : الأمل ، يقول : أعمل ثم أتوب . ووصله الفريابي والحاكم وابن جبير عن مجاهد قال : يقول سوف أتوب . ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هو الكافر يكذب بالحساب ويفجر أمامه ، أي يدوم على فجوره بغير توبة .

قوله : ( لا وزر لا حصن ) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، لكن قال : " حرز " بكسر المهملة وسكون الراء بعدها زاي . ومن طريق العوفي عن ابن عباس قال : " لا حصن ولا ملجأ " ولابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي سعيد عن ابن مسعود في قوله : لا وزر قال : لا حصن ، ومن طريق أبي رجاء عن الحسن قال : كان الرجل يكون في ماشيته فتأتيه الخيل بغتة ، فيقول له صاحبه : الوزر الوزر ، أي اقصد الجبل فتحصن به . وقال أبو عبيدة : الوزر : الملجأ .

قوله : ( سدى : هملا ) وقع هذا مقدما على ما قبله لغير أبي ذر ، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به ، وقال : أبو عبيدة في قوله : سدى أي لا ينهى ولا يؤمر ، قالوا أسديت حاجتي أي أهملتها .

قوله : ( حدثنا موسى بن أبي عائشة وكان ثقة ) هو مقول ابن عيينة ، وهو تابعي صغير كوفي من موالي آل جعدة بن هبيرة يكنى أبا الحسن ، واسم أبيه لا يعرف ، ومدار هذا الحديث عليه . وقد تابعه عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير ، وهو من رواية ابن عيينة أيضا عنه ، فمن أصحاب ابن عيينة من وصله بذكر ابن عباس فيه منهم أبو كريب عند الطبري . ومنهم من أرسله منهم سعيد بن منصور .

قوله : ( حرك به لسانه ووصف سفيان يريد أن يحفظه ) في رواية سعيد بن منصور " وحرك سفيان شفتيه " وفي رواية أبي كريب " تعجل يريد حفظه فنزلت " .

قوله : ( فأنزل الله : لا تحرك به لسانك لتعجل به ) إلى هنا رواية أبي ذر ، وزاد غيره الآية التي بعدها ، وزاد سعيد بن منصور في روايته في آخر الحديث " وكان لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية