صفحة جزء
باب ما ودعك ربك وما قلى

4667 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس قال سمعت جندب بن سفيان رضي الله عنه قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة فأنزل الله عز وجل والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى قوله ما ودعك ربك وما قلى تقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ما تركك ربك وقال ابن عباس ما تركك وما أبغضك
قوله : ( باب ما ودعك ربك وما قلى ) سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر ، وذكر في سبب نزولها حديث جندب ، وأن ذلك سبب شكواه - صلى الله عليه وسلم - وقد تقدمت في صلاة الليل أن الشكوى المذكورة لم ترد بعينها ، وأن من فسرها بأصبعه التي دميت لم يصب . ووجدت الآن في الطبراني بإسناد فيه من لا يعرف أن سبب نزولها وجود جرو كلب تحت سريره - صلى الله عليه وسلم - لم يشعر به فأبطأ عنه جبريل لذلك ، وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة ، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب ، بل شاذ ، مردود بما في الصحيح والله أعلم . وورد لذلك سبب ثالث وهو ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال : " لما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فتغير بذلك فقالوا : ودعه ربه وقلاه . فأنزل الله تعالى ما ودعك ربك وما قلى . ومن طريق إسماعيل مولى آل الزبير قال : فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحزنه فقال : لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني ، فجاء جبريل بسورة والضحى . وذكر سليمان التيمي في السيرة التي جمعها ورواها محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال : " وفتر الوحي ، فقالوا : لو كان من عند الله لتتابع . ولكن الله قلاه . فأنزل الله : والضحى ، وألم نشرح بكمالهما " وكل هذه الروايات لا تثبت ، والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في [ ص: 581 ] ابتداء الوحي ، فإن تلك دامت أياما وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثا ، فاختلطتا على بعض الرواة ، وتحرير الأمر في ذلك ما بينته . وقد أوضحت ذلك في التعبير ولله الحمد . ووقع في سيرة ابن إسحاق في سبب نزول والضحى شيء آخر ، فإنه ذكر أن المشركين لما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثن ، فأبطأ عليه جبريل اثنتي عشرة ليلة أو أكثر فضاق صدره ، وتكلم المشركون : فنزل جبريل بسورة والضحى ، وبجواب ما سألوا ، وبقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله انتهى . وذكر سورة الضحى هنا بعيد ، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربا فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الأخرى ، وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث ، وإنما كان بعد ذلك بمدة والله أعلم .

قوله : ( سمعت جندب بن سفيان ) هو البجلي .

قوله : ( فجاءت امرأة فقالت : يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك تركك ) هي أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب . وقد تقدم بيان ذلك في كتاب قيام الليل . وأخرجه الطبري من طريق المفضل بن صالح عن الأسود بن قيس بلفظ : " فقالت امرأة من أهله " ومن وجه آخر عن الأسود بن قيس بلفظ : " حتى قال المشركون " ولا مخالفة لأنهم قد يطلقون لفظ الجمع ويكون القائل أو الفاعل واحدا ، بمعنى أن الباقين راضون بما وقع من ذلك الواحد .

قوله : ( قربك ) بكسر الراء ، يقال يقربه بفتح الراء متعديا ، ومنه لا تقربوا الصلاة ، وأما قرب بالضم فهو لازم . تقول قرب الشيء أي دنا . وقد بينت هناك أنه وقع في رواية أخرى عند الحاكم " فقالت خديجة " وأخرجه الطبري أيضا من طريق عبد الله بن شداد " فقالت خديجة ولا أرى ربك " ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه " فقالت خديجة لما ترى من جزعه " وهذان طريقان مرسلان ورواتهما ثقات ، فالذي يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك ، لكن أم جميل عبرت - لكونها كافرة - بلفظ : " شيطانك " ، وخديجة عبرت - لكونها مؤمنة - بلفظ : " ربك " أو صاحبك ، وقالت أم جميل شماتة وخديجة توجعا .

قوله : ( باب قوله ما ودعك ربك وما قلى ) كذا ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي ، وهو تكرار بالنسبة إليه لا بالنسبة للباقين لأنهم لم يذكروها في الأولى .

قوله : ( تقرأ بالتشديد والتخفيف بمعنى واحد ما تركك ربك ) أما القراءة بالتشديد فهي قراءة الجمهور ، وقرأ بالتخفيف عروة وابنه هشام وابن أبي علية ، وقال أبو عبيدة " ما ودعك " يعني بالتشديد من التوديع و " ما ودعك " يعني بالتخفيف من ودعت انتهى . ويمكن تخريج كونهما بمعنى واحد على أن التوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك .

قوله : ( وقال ابن عباس ما تركك وما أبغضك ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية