صفحة جزء
باب الترتيل في القراءة وقوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا وقوله وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث وما يكره أن يهذ كهذ الشعر فيها يفرق يفصل قال ابن عباس فرقناه فصلناه

4756 حدثنا أبو النعمان حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل عن أبي وائل عن عبد الله قال غدونا على عبد الله فقال رجل قرأت المفصل البارحة فقال هذا كهذ الشعر إنا قد سمعنا القراءة وإني لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم
[ ص: 707 ] قوله : ( باب الترتيل في القراءة ) أي تبيين حروفها والتأني في أدائها ليكون أدعى إلى فهم معانيها .

قوله : ( وقوله تعالى : ورتل القرآن ترتيلا ) كأنه يشير إلى ما ورد عن السلف في تفسيرها ، فعند الطبري بسند صحيح عن مجاهد في قوله تعالى : ورتل القرآن قال : بعضه إثر بعض على تؤدة . وعن قتادة قال : بينه بيانا . والأمر بذلك إن لم يكن للوجوب يكون مستحبا .

قوله : ( وقوله تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) سيأتي توجيهه .

قوله : ( وما يكره أن يهذ كهذ الشعر ) كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الإسراع ، وإنما الذي يكره الهذ وهو الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها . وقد ذكر في الباب إنكار ابن مسعود على من يهذ القراءة كهذ الشعر ، ودليل جواز الإسراع ما تقدم في أحاديث الأنبياء من حديث أبي هريرة رفعه " خفف على داود القرآن ، فكان يأمر بدوابه فتسرج ، فيفرغ من القرآن قبل أن تسرج " . قوله : ( فيها يفرق يفصل ) هو تفسير أبي عبيدة . قوله : ( قال ابن عباس فرقناه : فصلناه ) وصله ابن جريج من طريق علي بن أبي طلحة عنه ، وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة فقط ، قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد ؟ فقال : الذي قرأ البقرة فقط أفضل . ثم تلا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومن طريق أبي حمزة " قلت لابن عباس : إني سريع القراءة ، وإني لأقرأ القرآن في ثلاث فقال : لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها خير من أن أقرأ كما تقول " وعند ابن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة " قلت لابن عباس : إني رجل سريع القراءة ، إني أقرأ القرآن في ليلة . فقال ابن عباس : لأن أقرأ سورة أحب إلي . إن كنت لا بد فاعلا فاقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعها قلبك " والتحقيق أن لكل من الإسراع والترتيل جهة فضل ، بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكون الواجبات ، فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا ، فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة ، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمة الواحدة ، وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات ، وقد يكون بالعكس . ثم ذكر المصنف في الباب [ ص: 708 ] حديثين : أحدهما حديث ابن مسعود قوله : ( حدثنا واصل ) هو ابن حيان بمهملة وتحتانية ثقيلة الأحدب الكوفي ، ووقع صريحا عند الإسماعيلي ، وزعم خلف في " الأطراف " أنه واصل مولى أبي عيينة بن المهلب ، وغلطوه في ذلك فإن مولى أبي عيينة بصري وروايته عن البصريين ، وليست له رواية عن الكوفيين وأبو وائل شيخ واصل هذا كوفي .

قوله : ( عن أبي وائل عن عبد الله قال : غدونا على عبد الله ) أي ابن مسعود ( فقال رجل : قرأت المفصل ) كذا أورده مختصرا ، وقد أخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه معه البخاري فزاد في أوله : " غدونا على عبد الله بن مسعود يوما بعدما صلينا الغداة ، فسلمنا بالباب فأذن لنا ، فمكثنا بالباب هنيهة ، فخرجت الجارية فقالت : ألا تدخلون ؟ فدخلنا ، فإذا هو جالس يسبح فقال : ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم ؟ قلنا : ظننا أن بعض أهل البيت نائم ، قال : ظننتم بآل أم عبد غفلة . فقال : رجل من القوم : قرأت المفصل البارحة كله ، فقال عبد الله : هذا كهذ الشعر " ولأحمد من طريق الأسود بن يزيد " عن عبد الله بن مسعود أن رجلا أتاه فقال : قرأت المفصل في ركعة ، فقال : بل هذذت كهذ الشعر وكنثر الدقل " وهذا الرجل هو نهيك بن سنان كما أخرجه مسلم من طريق منصور عن أبي وائل في هذا الحديث . وقوله " هذا " بفتح الهاء وبالذال المعجمة المنونة قال الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمل كما ينشد الشعر ، وأصل الهذ سرعة الدفع . وعند سعيد بن منصور من طريق يسار عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال في هذه القصة : " إنما فصل لتفصلوه " .

قوله : ( ثماني عشرة ) تقدم في " باب تأليف القرآن " من طريق الأعمش عن شقيق فقال فيه : " عشرين سورة من أول المفصل " والجمع بينهما أن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها ، وإطلاق المفصل على الجميع تغليبا ، وإلا فالدخان ليست من المفصل على المرجح ، لكن يحتمل أن يكون تأليف ابن مسعود على خلاف تأليف غيره ، فإن في آخر رواية الأعمش على تأليف ابن مسعود آخرهن " حم " الدخان و " عم " ، فعلى هذا لا تغليب .

قوله : ( من آل حاميم ) أي السورة التي أولها " حم " ، وقيل : يريد " حم " نفسها كما في حديث أبي موسى أنه أوتي مزمارا من مزامير آل داود يعني داود نفسه ، قال الخطابي : قوله : " آل داود " يريد به داود نفسه ، وهو كقوله تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وتعقبه ابن التين بأن دليله يخالف تأويله ، قال : وإنما يتم مراده لو كان الذي يدخل أشد العذاب فرعون وحده . وقال الكرماني : لولا أن هذا الحرف ورد في الكتابة منفصلا يعني " آل " وحدها و " حم " وحدها لجاز أن تكون الألف واللام التي لتعريف الجنس ، والتقدير : وسورتين من الحواميم . قلت : لكن الرواية أيضا ليست فيها واو ، نعم في رواية الأعمش المذكورة " آخرهن من الحواميم " وهو يؤيد الاحتمال المذكور والله أعلم . وأغرب الداودي فقال : قوله " من آل حاميم " من كلام أبي وائل ، وإلا فإن أول المفصل عند ابن مسعود من أول الجاثية اه . وهذا إنما يرد لو كان ترتيب مصحف ابن مسعود كترتيب المصحف العثماني ، والأمر بخلاف ذلك فإن ترتيب السور في مصحف ابن مسعود يغاير الترتيب في المصحف العثماني ، فلعل هذا منها ويكون أول المفصل عنده أول الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية لا مانع من ذلك . وقد أجاب النووي على طريق التنزل بأن المراد بقوله : عشرين من أول المفصل أي معظم العشرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية