صفحة جزء
باب النظر إلى المرأة قبل التزويج

4832 حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي فقلت إن يك هذا من عند الله يمضه
قوله ( باب قول الله عز وجل : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله الآية إلى قوله غفور حليم ) كذا للأكثر ، وحذف ما بعد أكننتم من رواية أبي ذر ، ووقع في شرح ابن بطال سياق الآية والتي بعدها إلى قوله أجله الآية . قال ابن التين : تضمنت الآية أربعة أحكام : اثنان مباحان التعريض والإكنان ، واثنان ممنوعان النكاح في العدة والمواعدة فيها .

قوله ( أضمرتم في أنفسكم ، وكل شيء صنته وأضمرته فهو مكنون ) كذا للجميع ، وعند أبي ذر بعده إلى آخر الآية . والتفسير المذكور لأبي عبيدة .

قوله ( وقال لي طلق ) هو ابن غنام بفتح المعجمة وتشديد النون .

قوله ( عن ابن عباس فيما عرضتم ) أي أنه قال في تفسير هذه الآية .

قوله ( يقول إني أريد التزويج إلخ ) وهو تفسير للتعريض المذكور في الآية ، قال الزمخشري : التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره . وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز ، وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ، ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام ، مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي ، فالسلام مقصوده والتقاضي عرض ، أي [ ص: 85 ] أميل إليه الكلام عن عرض أي جانب . وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها . والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان ، فمثل جئت لأسلم عليك كناية وتعريض ، ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ، ومثل آذيتني فستعرف خطابا لغير المؤذي تعريض بتهديد المؤذي لا كناية انتهى ملخصا . وهو تحقيق بالغ .

قوله ( ولوددت أنه ييسر ) بضم التحتانية وفتح أخرى مثلها بعدها وفتح المهملة ، وفي رواية الكشميهني " يسر " بتحتانية واحدة وكسر المهملة ، وهكذا اقتصر المصنف في هذا الباب على حديث ابن عباس الموقوف . وفي الباب حديث صحيح مرفوع وهو قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس " إذا حللت فآذنيني " وهو عند مسلم ، وفي لفظ " لا تفوتينا بنفسك " أخرجه أبو داود . واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات عنها زوجها ، واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن ، وكذا من وقف نكاحها ، وأما الرجعية فقال الشافعي : لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها . والحاصل أن التسريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعريض مباح للأولى ، حرام في الأخيرة ، مختلف فيه في البائن .

قوله ( وقال القاسم ) يعني ابن محمد ( إنك علي كريمة ) أي يقول ذلك ، وهو تفسير آخر للتعريض ، وكلها أمثلة ، ولهذا قال في آخره أو نحو وهذا الأثر وصله مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول قول الله عز وجل ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها : إن إلى آخره . وقوله في الأمثلة إني فيك لراغب يدل على أن تصريحه بالرغبة فيها لا يمتنع ولا يكون صريحا في خطبتها حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول : إني في نكاحك لراغب ، وقد نص الشافعي على أن ذلك من صور التعريض أعني ما ذكره القاسم ، وأما ما مثلت به فحكى الروياني فيه وجها ، وعبر النووي في الروضة بقوله رب راغب فيك ، فأوهم أنه لا يصرح بالرغبة مطلقا ، وليس كذلك .

وأخرج البيهقي من طريق مجاهد من صور التصريح : لا تسبقيني بنفسك فإني ناكحك ، ولو لم يقل فإني ناكحك فهو من صور التعريض لحديث فاطمة بنت قيس كما بينته قريبا . وقد ذكر الرافعي من صور التصريح لا تفوتي علي نفسك وتعقبوه . وروى الدارقطني من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عمته سكينة قالت : استأذن علي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي وموضعي في العرب فقلت : غفر الله لك يا أبا جعفر ، أنت رجل يؤخذ عنك تخطبني في عدتي ؟ قال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي .

قوله ( وقال عطاء يعرض ولا يبوح ) أي لا يصرح ( يقول إن لي حاجة وأبشري ) .

قوله ( نافقة ) بنون وفاء وقاف أي رائجة بالتحتانية والجيم .

قوله ( ولا تعد شيئا ) بكسر المهملة وتخفيف الدال ، وأثر عطاء هذا وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه مفرقا ، وأخرجه الطبري من طريق ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء كيف يقول الخاطب ؟ قال يعرض تعريضا ولا يبوح بشيء ، فذكر مثله إلى قوله ولا تعد شيئا .

قوله ( وإن واعدت رجلا في عدتها ثم نكحها ) أي تزوجها ( بعد ) أي عند انقضاء العدة ( لم يفرق بينهما ) أي لم يقدح ذلك في صحة النكاح وإن وقع الإثم . وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عقب أثر عطاء [ ص: 86 ] قال : وبلغني عن ابن عباس قال خير لك أن تفارقها . واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد إلا بعد انقضائها " فقال مالك : يفارقها دخل بها أو لم يدخل ، وقال الشافعي : صح العقد وإن ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة ، وقال المهلب : علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى الموافقة في العدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق اهـ . وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح ، إلا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع . وقد اختلفوا لو وقع العقد في العدة ودخل فاتفقوا على أنه يفرق بينهما . وقال مالك والليث والأوزاعي : لا يحل له نكاحها بعد . وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء .

قوله ( وقال الحسن لا تواعدوهن سرا الزنا ) وصله عبد بن حميد من طريق عمران بن حدير عنه بلفظه ، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال : هو الفاحشة . قال قتادة قوله " سرا " أي لا تأخذ عهدها في عدتها أن لا تتزوج غيره . وأخرجه إسماعيل القاضي في " الأحكام " وقال : هذا أحسن من قول من فسره بالزنا ، لأن ما قبل الكلام وما بعده لا يدل عليه ، ويجوز في اللغة أن يسمى الجماع سرا فلذلك ويجوز إطلاقه على العقد ، ولا شك أن المواعدة على ذلك تزيد على التعريض المأذون فيه ، واستدل بالآية على أن التعريض في القذف لا يوجب الحد لأن خطبة المعتدة حرام ، وفرق فيها بين التصريح والتعريض فمنع التصريح وأجيز التعريض ، مع أن المقصود مفهوم منهما ، فكذلك فرق في إيجاب حد القذف بين التصريح والتعريض . واعترض ابن بطال فقال : يلزم الشافعية على هذا أن يقولوا بإباحة التعريض بالقذف ، وهذا ليس بلازم لأن المراد أن التعريض دون التصريح في الإفهام فلا يلتحق به في إيجاب الحد ، لأن للذي يعرض أن يقول لم أرد القذف بخلاف المصرح .

قوله ( ويذكر عن ابن عباس حتى يبلغ الكتاب أجله انقضاء العدة ) وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) يقول : حتى تنقضي العدة

[ ص: 87 ] قوله ( باب النظر إلى المرأة قبل التزويج ) استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب ، لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه ، وقد ورد ذلك في أحاديث أصحها حديث أبي هريرة قال رجل إنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا . قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا أخرجه مسلم والنسائي . وفي لفظ له صحيح " أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة " فذكره قال الغزالي في " الإحياء " : اختلف في المراد بقوله شيئا فقيل عمش وقيل صغر . قلت : الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وهذا الرجل يحتمل أن يكون المغيرة ، فقد أخرج الترمذي والنسائي من حديثه أنه " خطب امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : انظر إليها ، فإنه أحرى أن يدوم بينكما " وصححه ابن حبان ، وأخرج أبو داود والحاكم من حديث جابر مرفوعا " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " وسنده حسن ، وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة ، وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرجه أحمد وابن ماجه . ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار . ثم ذكر المصنف فيه حديثين : الحديث الأول .

حديث عائشة .

قوله ( أريتك ) بضم الهمزة ( في المنام ) زاد في رواية أبي أسامة في أوائل النكاح " مرتين " .

قوله ( يجيء بك الملك ) وقع في رواية أبي أسامة " إذا رجل يحملك " فكأن الملك تمثل له حينئذ رجلا . ووقع في رواية ابن حبان من طريق أخرى عن عائشة " جاء بي جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قوله ( في سرقة من حرير ) السرقة بفتح المهملة والراء والقاف هي القطعة ، ووقع في رواية ابن حبان " في خرقة حرير " وقال الداودي : السرقة الثوب ، فإن أراد تفسيره هنا فصحيح ، وإلا فالسرقة أعم . وأغرب المهلب فقال : السرقة كالكلة أو كالبرقع . وعند الآجري من وجه آخر عن عائشة " لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني " ويجمع بين هذا وبين ما قبله بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته ، ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر " نزل مرتين "

قوله ( فكشفت عن وجهك الثوب ) في رواية أبي أسامة " فأكشفها " فعبر بلفظ المضارع استحضارا لصورة الحال . قال ابن المنير : يحتمل أن يكون رأى منها ما يجوز للخاطب أن يراه ، ويكون الضمير في " أكشفها " للسرقة أي أكشفها عن الوجه ، وكأنه حمله على ذلك أن رؤيا الأنبياء وحي ، وأن عصمتهم في المنام كاليقظة ، وسيأتي في اللباس في الكلام على تحريم التصوير ما يتعلق بشيء من هذا : وقال أيضا : في الاحتجاج بهذا الحديث للترجمة نظر ، لأن عائشة كانت إذ ذاك في سن الطفولية فلا عورة فيها ألبتة ، ولكن يستأنس به في الجملة في أن النظر إلى المرأة قبل العقد فيه مصلحة ترجع إلى العقد .

[ ص: 88 ] قوله ( فإذا أنت هي ) في رواية الكشميهني " فإذا هـي أنت " وكذا تقدم من رواية أبي أسامة .

قوله ( يمضه ) بضم أوله ، قال عياض : يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا إشكال فيه ، وإن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات : أحدها التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط ، ثانيها أنه لفظ شك لا يراد به ظاهره وهو أبلغ في التحقق ، ويسمى في البلاغة مزج الشك باليقين ، ثالثها وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها أو هي رؤيا وحي لها تعبير ؟ وكلا الأمرين جائز في حق الأنبياء . قلت : الأخير هو المعتمد ، وبه جزم السهيلي عن ابن العربي ، ثم قال : وتفسيره باحتمال غيرها لا أرضاه ، والأول يرده أن السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت فإن ظاهر قوله " فإذا هي أنت " مشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك ، والواقع أنها ولدت بعد البعثة . ويرد أول الاحتمالات الثلاث رواية ابن حبان في آخر حديث الباب " هي زوجتك في الدنيا والآخرة " والثاني بعيد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية