صفحة جزء
باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

4843 حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت
قوله ( باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما ) في هذه الترجمة أربع صور : تزويج الأب البكر ، وتزويج الأب الثيب ، وتزويج غير الأب البكر ، وتزويج غير الأب الثيب . وإذا اعتبرت الكبر والصغر زادت الصور ، فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقا إلا من شذ كما تقدم ، والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقا إلا من شذ كما تقدم ، والثيب غير البالغ اختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة : يزوجها أبوها كما يزوج البكر ، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد : لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره ، والعلة عندهم أن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر ، والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء ، واختلف في استئمارها والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم . وسأذكر مزيد بحث فيه . وقد ألحق الشافعي الجد بالأب . وقال أبو حنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولي ، فإذا بلغت ثبت الخيار . وقال أحمد : إذا بلغت تسعا جاز للأولياء غير الأب نكاحها ، وكأنه أقام المظنة مقام المئنة ، وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصي الأب دون بقية الأولياء لأنه أقامه مقامه كما تقدمت الإشارة إليه . ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة ، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث ، لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها .

قوله ( حدثنا هـشام ) هو الدستوائي ، ويحيى هو ابن أبي كثير .

قوله ( عن أبي سلمة ) في رواية مسلم من طريق خالد بن الحارث عن هشام عن يحيى " حدثنا أبو سلمة " .

قوله ( لا تنكح ) بكسر الحاء للنهي ، وبرفعها للخبر وهو أبلغ في المنع ، وتقدم تفسير الأيم في " باب عرض الإنسان ابنته " وظاهر هذا الحديث أن الأيم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق لمقابلتها بالبكر ، وهذا [ ص: 99 ] هو الأصل في الأيم ، ومنه قولهم " الغزو مأيمة " أي يقتل الرجال فتصير النساء أيامى ، وقد تطلق على من لا زوج لها أصلا ، ونقله عياض عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما أنه يطلق على كل من لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا ، وحكى الماوردي القولين لأهل اللغة . وقد وقع في رواية الأوزاعي عن يحيى في هذا الحديث عند ابن المنذر والدارمي والدارقطني " لا تنكح الثيب " ووقع عند ابن المنذر في رواية عمر بن أبي سلمة عن أبيه في هذا الحديث الثيب تشاور .

قوله ( حتى تستأمر ) أصل الاستئمار طلب الأمر ، فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها ، ويؤخذ من قوله تستأمر أنه لا يعقد إلا بعد أن تأمر بذلك ، وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها ، بل فيه إشعار باشتراطه .

قوله ( ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) كذا وقع في هذه الرواية التفرقة بين الثيب والبكر ، فعبر للثيب بالاستئمار وللبكر بالاستئذان ، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ، ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد ، فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك ، والإذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول وإنما جعل السكوت إذنا في حق البكر لأنها قد تستحي أن تفصح .

قوله ( قالوا يا رسول الله ) في رواية عمر بن أبي سلمة " قلنا " وحديث عائشة صريح في أنها هي السائلة عن ذلك .

قوله ( كيف إذنها ) في حديث عائشة " قلت إن البكر تستحي " وستأتي ألفاظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية