صفحة جزء
4972 حدثنا إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أخت عبد الله بن أبي بهذا وقال تردين حديقته قالت نعم فردتها وأمره يطلقها وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وطلقها وعن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني لا أطيقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتردين عليه حديقته قالت نعم
قوله في هذه الرواية ( لا أطيقه ) تقدم بيانه وهو في جميع النسخ بالقاف ، وذكر الكرماني أن في بعضها أطيعه " بالعين المهملة وهو تصحيف . ثم أشار البخاري إلى أنه اختلف على أيوب أيضا في وصل الخبر وإرساله فاتفق إبراهيم بن طهمان وجرير بن حازم على وصله ، وخالفهما حماد بن زيد فقال " عن أيوب عن عكرمة " مرسلا . ويؤخذ من إخراج البخاري هذا الحديث في الصحيح فوائد : منها أن الأكثر إذا وصلوا وأرسل الأقل قدم الواصل ولو كان الذي أرسل أحفظ ، ولا يلزم منه أنه تقدم رواية الواصل على المرسل دائما . ومنها أن الراوي إذا لم يكن في الدرجة العليا من الضبط ووافقه من هو مثله اعتضد وقاومت الروايتان رواية الضابط المتقن . ومنها أن أحاديث الصحيح متفاوتة المرتبة إلى صحيح وأصح . وفي الحديث من الفوائد - غير ما تقدم - أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية ، ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا ، وأن ذلك يشرع [ ص: 313 ] إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها . وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين : لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا ، أخرجه ابن أبي شيبة ، وكأنهما لم يبلغهما الحديث . واستدل ابن سيرين بظاهر قوله تعالى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بذلك مع ما دل عليه الحديث . ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيه ، وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدي منه . فوقع النهي عن ذلك إلا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدي منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويطلقها ، فليس في ذلك مخالفة للحديث لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها ، واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا ، وإن وقع من أحدهما لا يندفع الإثم ، وهو قوي موافق لظاهر الآيتين ولا يخالف ما ورد فيه ، وبه قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين ، وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخافة إليهما لذلك ، وعن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفسر ثابتا هـل أنت كارهها كما كرهتك أم لا ؟ وفيه أن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق على مال فطلقها وقع الطلاق . فإن لم يقع الطلاق صريحا ولا نوياه ففيه الخلاف المتقدم من قبل . واستدل لمن قال بأنه فسخ بما وقع في بعض طرق حديث الباب من الزيادة ، ففي رواية عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس عند أبي داود والترمذي في قصة امرأة ثابت بن قيس " فأمرها أن تعتد بحيضة " وعند أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث الربيع بنت معوذ " أن عثمان أمرها أن تعتد بحيضة " قال " وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس " وفي رواية للنسائي والطبري من حديث الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس ضرب امرأته - فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره - خذ الذي لها وخل سبيلها ، قال : نعم ، فأمرها أن تتربص حيضة وتلحق بأهلها " قال الخطابي في هذا أقوى دليل لمن قال إن الخلع فسخ وليس بطلاق ، إذ لو طلاقا لم تكتف بحيضة للعدة اهـ .

وقد قال الإمام أحمد إن الخلع فسخ . وقال في رواية : وإنها لا تحل لغير زوجها حتى تمضي ثلاثة أقراء . فلم يكن عنده بين كونه فسخا وبين النقص من العدة تلازم ، واستدل به على أن الفدية لا تكون إلا بما أعطى الرجل المرأة عينا أو قدرها لقوله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته " وقد وقع في رواية سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في آخر حديث الباب عند ابن ماجه والبيهقي " فأمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفي رواية عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد قال أيوب لا أحفظ " ولا تزدد " ورواه ابن جريج عن عطاء مرسلا ففي رواية ابن المبارك وعبد الوهاب عنه " أما الزيادة فلا " ، زاد ابن المبارك عن مالك وفي رواية الثوري " وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى " ذكر ذلك كله البيهقي ، قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج بذكر ابن عباس فيه أخرجه أبو الشيخ قال : وهو غير محفوظ ، يعني الصواب إرساله . وفي مرسل أبي الزبير عند الدارقطني والبيهقي أتردين عليه حديقته التي أعطاك ؟ قالت ، نعم وزيادة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ، ولكن حديقته ، قالت نعم . فأخذ ماله وخلى سبيلها ورجال إسناده ثقات . وقد وقع في بعض طرقه سمعه أبو الزبير من غير واحد فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما سبق ، لكن ليس فيه دلالة على الشرط ، فقد يكون ذلك وقع على سبيل الإشارة رفقا بها . وأخرج عبد الرزاق عن علي " لا يأخذ منها فوق ما أعطاها " وعن طاوس وعطاء والزهري مثله ، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق ، وأخرج إسماعيل بن إسحاق عن ميمون بن مهران " من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان " ومقابل هذا ما أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال " ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا " وقال مالك لم أزل أسمع أن الفدية تجوز بالصداق وبأكثر منه لقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولحديث حبيبة بنت سهل ، فإذا كان النشوز من قبلها حل للزوج ما أخذ منها برضاها ، وإن كان من قبله لم يحل له ويرد عليها إن أخذ وتمضي [ ص: 314 ] الفرقة . وقال الشافعي : إذا كانت غير مؤدية لحقه كارهة له حل له أن يأخذ ، فإنه يجوز أن يأخذ منها ما طابت به نفسا بغير سبب فبالسبب أولى . وقال إسماعيل القاضي : ادعى بعضهم أن المراد بقوله تعالى " فيما افتدت به " أي بالصداق وهو مردود لأنه لم يقيد في الآية بذلك . وفيه أن الخلع جائز في الحيض لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها أحائض هي أم لا ؟ لكن يجوز أن يكون ترك ذلك لسبق العلم به أو كان قبل تقريره فلا دلالة فيه لمن يخصه من منع طلاق الحائض ، وهذا كله تفريع على أن الخلع طلاق . وفيه أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك لحديث ثوبان أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان ; ويدل على تخصيصه قوله في بعض طرقه " من غير ما بأس " ولحديث أبي هريرة " المنتزعات والمختلعات هن المنافقات " أخرجه أحمد والنسائي ، وفي صحته نظر لأن الحسن عند الأكثر لم يسمع من أبي هريرة ، لكن وقع في رواية النسائي : قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث . وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا إلا من حديث أبي هريرة ، وهو تكلف ، وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط وصار يرسل عنه غير ذلك فتكون قصته في ذلك كقصته مع سمرة في حديث العقيقة كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى . وقد أخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر عن الحسن مرسلا لم يذكر فيه أبا هـريرة . وفيه أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى أن المعتبر ما رواه لا ما رآه ، لأن ابن عباس روى قصة امرأة ثابت بن قيس الدالة على أن الخلع طلاق وكان يفتي بأن الخلع ليس بطلاق ، لكن ادعى ابن عبد البر شذوذ ذلك عن ابن عباس إذ لا يعرف له أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوسا ، وفيه نظر لأن طاوسا ثقة حافظ فقيه فلا يضره تفرده ، وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول . ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخا . نعم أخرج إسماعيل القاضي بسند صحيح عن ابن أبي نجيح " أن طاوسا لما قال إن الخلع ليس بطلاق أنكره عليه أهل مكة ، فاعتذر وقال : إنما قاله ابن عباس " قال إسماعيل : لا نعلم أحدا قاله غيره اهـ . ولكن الشأن في كون قصة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقا .

" تكميل " :

نقل ابن عبد البر عن مالك أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها ، وأن المفتدية التي افتدت ببعض مالها ، وأن المبارئة التي بارأت زوجها قبل الدخول . قال ابن عبد البر : وقد يستعمل بعض ذلك موضع بعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية