صفحة جزء
باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة

5070 حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن قتادة قال كنا عند أنس وعنده خباز له فقال ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي الله
[ ص: 441 ] قوله ( باب الخبز المرقق " والأكل على الخوان والسفرة " ) أما الخبز المرقق فقال عياض قوله مرققا أي ملينا محسنا كخبز الحواري وشبهه ، والترقيق التليين ، ولم يكن عندهم مناخل . وقد يكون المرقق الرقيق الموسع اهـ . وهذا هـو المتعارف ، وبه جزم ابن الأثير قال : الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل ، وهو الرغيف الواسع الرقيق ، وأغرب ابن التين فقال : هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره . وقال ابن الجوزي : هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها . وأما الخوان فالمشهور فيه كسر المعجمة ، ويجوز ضمها ، وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء ، وسئل ثعلب : هل يسمى الخوان لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص ؟ فقال : ما يبعد . قال الجواليقي : والصحيح أنه أعجمي معرب ، ويجمع على أخونة في القلة ، وخون مضموم الأول في الكثرة . وقال غيره : الخوان المائدة ما لم يكن عليها طعام ، وأما السفرة فاشتهرت لما يوضع عليها الطعام ، وأصلها الطعام نفسه .

قوله ( كنا عند أنس وعنده خباز له ) لم أقف على تسميته ، ووقع عند الإسماعيلي عن قتادة " كنا نأتي أنسا وخبازه قائم " زاد ابن ماجه " وخوانه موضوع ، فيقول : كلوا " وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال " كان لأنس غلام يعمل له النقانق يطبخ له لونين طعاما ويخبز له الحوارى ويعجنه بالسمن " اهـ . والحوارى بضم المهملة وتشديد الواو وفتح الراء : الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة .

قوله ( ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة ) المسموط الذي أزيل شعره بالماء المسخن وشوي بجلده أو يطبخ ، وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري ، وهو من فعل المترفين من وجهين :

أحدهما : المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه .

وثانيهما : أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده .

وقد جرى ابن بطال على أن المسموط المشوي ، فقال ما ملخصه : يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يجتز من كتف شاة " وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي " أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه " بأن يقال : محتمل أن يكون لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها ، لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب أخرى ، وذلك لحم مسموط . أو يقال : إن أنسا قال " لا أعلم " ولم يقطع به ، ومن علم حجة على من لم يعلم . وتعقبه ابن المنير بأنه ليس في حز الكتف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة ، بل إنما حزها لأن العرب كانت عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز ، قال : ولعل ابن بطال لما رأى البخاري ترجم بعد هذا " باب شاة مسموطة ، والكتف والجنب " ظن أن مقصوده إثبات أنه أكل السميط . قلت : ولا يلزم أيضا من كونها مشوية واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة ; فإن شي المسلوخ أكثر من شي المسموط ، لكن قد ثبت أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل إلا مسموطا . وهذا لا يرد على أنس في نفي رواية الشاة المسموطة ، وقد وافقه أبو هريرة على نفي أكل الرقاق أخرجه ابن ماجه من طريق ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه " زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال : ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه " قال الطيبي : قول أنس " ما أعلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلخ " نفى العلم وأراد نفي المعلوم ، وهو [ ص: 442 ] من باب نفي الشيء بنفي لازمه ، وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات .

التالي السابق


الخدمات العلمية