صفحة جزء
باب الرطب والتمر وقول الله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا وقال محمد بن يوسف عن سفيان عن منصور بن صفية حدثتني أمي عن عائشة رضي الله عنها قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء

5128 حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني أبو حازم عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في تمري إلى الجداد وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة فجلست فخلا عاما فجاءني اليهودي عند الجداد ولم أجد منها شيئا فجعلت أستنظره إلى قابل فيأبى فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه امشوا نستنظر لجابر من اليهودي فجاءوني في نخلي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلم اليهودي فيقول أبا القاسم لا أنظره فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام فطاف في النخل ثم جاءه فكلمه فأبى فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأكل ثم قال أين عريشك يا جابر فأخبرته فقال افرش لي فيه ففرشته فدخل فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام في الرطاب في النخل الثانية ثم قال يا جابر جد واقض فوقف في الجداد فجددت منها ما قضيته وفضل منه فخرجت حتى جئت النبي صلى الله عليه وسلم فبشرته فقال أشهد أني رسول الله عروش وعريش بناء وقال ابن عباس معروشات ما يعرش من الكروم وغير ذلك يقال عروشها أبنيتها
[ ص: 478 ] قوله ( باب الرطب والتمر ) كذا للجميع فيما وقفت عليه ، إلا ابن بطال ففيه " باب الرطب بالتمر " وقع فيه بموحدة بدل الواو ، ووقع لعياض في باب ح ل أن في البخاري " باب أكل التمر بالرطب " وليس في حديثي الباب ما يدل لذلك أصلا .

قوله ( وقول الله تعالى : وهزي إليك بجذع النخلة الآية ) وروى عبد بن حميد من طريق شقيق بن سلمة قال " لو علم الله أن شيئا للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به " ومن طريق عمرو بن ميمون قال " ليس للنفساء خير من الرطب أو التمر " ومن طريق الربيع بن خثيم قال " ليس للنفساء مثل الرطب ، ولا للمريض مثل العسل " أسانيدها صحيحة . وأخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى من حديث علي رفعه قال " أطعموا نفساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر " وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم " وفي إسناده ضعف . وقد قرأ الجمهور " تساقط " بتشديد السين وأصله تتساقط ، وقراءة حمزة وهي رواية عن أبي عمرو التخفيف على حذف إحدى التاءين ، ، وفيها قراءات أخرى في الشواذ ثم ذكر فيه حديثين : الأول حديث عائشة .

قوله ( وقال محمد بن يوسف ) هو الفريابي شيخ البخاري ، وسفيان هو الثوري ، وقد تقدم الحديث وشرحه في أوائل الأطعمة من طريق أخرى عن منصور وهو ابن عبد الرحمن بن طلحة العبدري ثم الشيبي الحجبي وأمه هي صفية بنت شيبة من صغار الصحابة ، وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومن رواية ابن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري مثله ، وأخرجه مسلم من رواية أبي أحمد الزبيري عن سفيان بلفظ " وما شبعنا " والصواب رواية الجماعة ، فقد أخرجه أحمد ومسلم أيضا من طريق داود بن عبد الرحمن عن منصور بلفظ " حين شبع الناس " وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب ، وكذا إطلاق الشبع موضع الري ، والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فتسميهما معا باسم الأشهر منهما ، وأما التسوية بين الماء والتمر مع أن الماء كان عندهم متيسرا لأن الري معه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرة شرب الماء صرفا بغير أكل ، لكنها قرنت بينهما لعدم التمتع بأحدهما إذا فات ذلك من الآخر ، ثم عبرت عن الأمرين الشبع والري بفعل أحدها كما عبرت عن التمر والماء بوصف أحدهما ، وقد تقدم شيء من هذا في " باب من أكل حتى شبع " . الثاني حديث جابر .

قوله ( أبو غسان ) هو محمد بن مطرف ، وأبو حازم هو سلمة بن دينار .

قوله ( عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة ) هو المخزومي ، واسم أبي ربيعة عمرو ويقال [ ص: 479 ] حذيفة وكان يلقب ذا الرمحين ، وعبد الله بن أبي ربيعة من مسلمة الفتح وولي الجند من بلاد اليمن لعمر فلم يزل بها إلى أن جاء سنة حصر عثمان لينصره فسقط عن راحلته فمات ، ولإبراهيم عنه رواية في النسائي ، قال أبو حاتم إنها مرسلة ، وليس لإبراهيم في البخاري سوى هذا الحديث ، وأمه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ، وله رواية عن أمه وخالته عائشة .

قوله ( كان بالمدينة يهودي ) لم أقف على اسمه .

قوله ( وكان يسلفني في تمري إلى الجذاذ ) بكسر الجيم ويجوز فتحها والذال معجمة ويجوز إهمالها ، أي زمن قطع ثمر النخل وهو الصرام ، قد استشكل الإسماعيلي ذلك وأشار إلى شذوذ هذه الرواية فقال : هذه القصة - يعني دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في النخل بالبركة - رواها الثقات المعروفون فيما كان على والد جابر من الدين ، وكذا قال ابن التين : الذي في أكثر الأحاديث أن الدين كان على والد جابر قال الإسماعيلي والسلف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره . وفي هذا الإسناد نظر . قلت : ليس في الإسناد من ينظر في حاله سوى إبراهيم ، وقد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وروى عنه أيضا ولده إسماعيل والزهري ، وأما ابن القطان فقال : لا يعرف حاله . وأما السلف إلى الجذاذ فيعارضه الأمر بالسلم إلى أجل معلوم فيحمل على أنه وقع في الاقتصار على الجذاذ اختصار وأن الوقت كان في أصل العقد معينا ، وأما الشذوذ الذي أشار إليه فيندفع بالتعدد ، فإن في السياق اختلافا ظاهرا ، فهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم برك في النخل المخلف عن والد جابر حتى وفى ما كان على أبيه من التمر كما تقدم بيان طرقه واختلاف ألفاظه في علامات النبوة ، ثم برك أيضا في النخل المختص بجابر فيما كان عليه هو من الدين والله أعلم .

قوله ( وكانت لجابر الأرض التي بطريق رومة ) فيه التفات ، أو هو مدرج من كلام الراوي ، لكن يرده ويعضد الأول أن في رواية أبي نعيم في " المستخرج " من طريق الرمادي عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري فيه " وكانت لي الأرض التي بطريق رومة " ورومة بضم الراء وسكون الواو هي البئر التي اشتراها عثمان رضي الله عنه وسبلها وهي في نفس المدينة ، وقد قيل إن رومة رجل من بني غفار كانت له البئر قبل أن يشتريها عثمان نسبت إليه ، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات " دومة " بدال بدل الراء قال ولعلها دومة الجندل . قلت : وهو باطل فإن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يمكن أن يكون لجابر فيها أرض ، وأيضا ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى أرض جابر وأطعمه من رطبها ونام فيها وقام فبرك فيها حتى أوفاه ، فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى السفر ، لأن بين دومة الجندل وبين المدينة عشر مراحل كما بينه أبو عبيد البكري ، وقد أشار صاحب " المطالع " إلى أن دومة هذه هي بئر رومة التي اشتراها عثمان وسبلها وهي داخل المدينة فكأن أرض جابر كانت بين المسجد النبوي ورومة .

قوله ( فجلست فخلا عاما ) قال عياض : كذا للقابسي وأبي ذر وأكثر الرواة بالجيم واللام ، قال : وكان أبو مروان بن سراج يصوب هذه الرواية إلا أنه يضبطها فجلست أي بسكون السين وضم التاء على أنها مخاطبة جابر وتفسيره . أي تأخرت عن القضاء ، فخلا بفاء معجمة ولام مشددة من التخلية أو مخففة من الخلو أي تأخر السلف عاما ، قال عياض : لكن ذكر الأرض أول الحديث يدل على أن الخبر عن الأرض لا عن نفسه انتهى ، [ ص: 480 ] فاقتضى ذلك أن ضبط الرواية عند عياض بفتح السين المهملة وسكون التاء والضمير للأرض ، وبعده نخلا بنون ثم معجمة ساكنة أي تأخرت الأرض عن الإثمار من جهة النخل ، قال : ووقع للأصيلي " فحبست " بحاء مهملة ثم موحدة ، وعند أبي الهيثم " فخاست " بعد الخاء المعجمة ألف أي خالفت معهودها وحملها ، يقال خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير قال وهذه الرواية أثبتها . قلت : وحكى غيره " خنست " بخاء معجمة ثم نون أي تأخرت ، ووقع في رواية أبي نعيم في " المستخرج " بهذه الصورة ، فما أدري بحاء مهملة ثم موحدة أو بمعجمة ثم نون ، وفي رواية الإسماعيلي فخنست علي عاما وأظنها بمعجمة ثم سين مهملة ثقيلة وبعدها علي بفتحتين وتشديد التحتانية ، فكأن الذي وقع في الأصل بصورة نخلا وكذا فخلا تصحيف من هذه اللفظة ، وهي على كتب الياء بألف ثم حرف العين والعلم عند الله . ووقع في رواية أبي ذر عن المستملي " قال محمد بن يوسف " هو الفربري قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال محمد بن إسماعيل هو البخاري فحلا ليس عندي مقيدا أي مضبوطا ثم قال " فخلا ليس فيه شك " . قلت : وقد تقدم توجيهه ، لكني وجدته في النسخة بجيم وبالحاء المعجمة أظهر .

قوله ( ولم أجد ) بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال .

قوله ( أستنظره ) أي أستمهله " إلى قابل ) أي إلى عام ثان .

قوله ( فأخبر ) بضم الهمزة وكسر الموحدة وفتح الراء على الفعل الماضي المبني للمجهول ، ويحتمل أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر ، وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال ، ووقع في رواية أبي نعيم في " المستخرج " فأخبرت .

قوله ( فيقول أبا القاسم لا أنظره ) كذا فيه بحذف أداة النداء .

قوله ( أين عريشك ) أي المكان الذي اتخذته في البستان لتستظل به وتقيل فيه ، وسيأتي الكلام عليه في آخر الحديث .

قوله ( فجئته بقبضة أخرى ) أي من رطب .

قوله ( فقام في الرطاب في النخل الثانية ) أي المرة الثانية ، وفي رواية أبي نعيم " فقام فطاف " بدل قوله في الرطاب .

قوله ( ثم قال يا جابر جذ ) فعل أمر بالجذاذ ( واقض ) أي أوف .

قوله ( فقال أشهد أني رسول الله ) قال ذلك صلى الله عليه وسلم لما فيه من خرق العادة الظاهر من إيفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن أنه يوفي منه البعض فضلا عن الكل فضلا عن أن تفضل فضلة فضلا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين .

قوله ( عرش وعريش بناء ، وقال ابن عباس : معروشات ما يعرش من الكرم وغير ذلك ، يقال عروشها أبنيتها ) ثبت هذا في رواية المستملي ، والنقل عن ابن عباس في ذلك تقدم موصولا في أول سورة الأنعام ، وفيه [ ص: 481 ] النقل عن غيره بأن المعروش من الكرم ما يقوم على ساق ، وغير المعروش ما يبسط على وجه الأرض ، وقوله عرش وعريش بناء هو تفسير أبي عبيدة ، وقد تقدم نقله عنه في تفسير الأعراف ، وقوله " عروشها أبنيتها " هو تفسير قوله " خاوية على عروشها " وهو تفسير أبي عبيدة أيضا ، والمراد هنا تفسير عرش جابر الذي رقد النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، فالأكثر على أن المراد به ما يستظل به ، وقيل المراد به السرير ، قال ابن التين : في الحديث أنهم كانوا لا يخلون من دين لقلة الشيء إذ ذاك عندهم ، وأن الاستعاذة من الدين أريد بها الكثير منه أو ما لا يجد له وفاء ، ومن ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير أخذه لأهله . وفيه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ودخول البساتين والقيلولة فيها والاستظلال بظلالها ، والشفاعة في إنظار الواجد غير العين التي استحقت عليه ليكون أرفق به .

التالي السابق


الخدمات العلمية