صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العقيقة باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه

5150 حدثني إسحاق بن نصر حدثنا أبو أسامة قال حدثني بريد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى
[ ص: 500 ] ( بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب العقيقة ) بفتح العين المهملة ، وهو اسم لما يذبح عن المولود . واختلف في اشتقاقها ، فقال أبو عبيد والأصمعي : أصلها الشعر الذي يخرج على رأس المولود ، وتبعه الزمخشري وغيره . وسميت الشاة التي تذبح عنه في تلك الحالة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح . وعن أحمد أنها مأخوذة من العق وهو الشق والقطع ، ورجحه ابن عبد البر وطائفة . قال الخطابي : العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد ، سميت بذلك لأنها تعق مذابحها أي تشق وتقطع . قال : وقيل هي الشعر الذي يحلق . وقال ابن فارس : الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمى عقيقة ، يقال عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقته وذبح للمساكين شاة .

وقال القزاز : أصل العق الشق ، فكأنها قيل لها عقيقة بمعنى معقوقة ، وسمي شعر المولود عقيقة باسم ما يعق عنه ، وقيل باسم المكان الذي انعق عنه فيه ، وكل مولود من البهائم فشعره عقيقة ، فإذا سقط وبر البعير ذهب عقه . ويقال : أعقت الحامل نبتت عقيقة ولدها في بطنها . قلت : ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رفعه " للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة " وقال : لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد اهـ . ووقع في عدة أحاديث " عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة " .

[ ص: 501 ] قوله ( باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه ) كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني ، وسقط لفظة " عن " للجمهور ، وللنسفي " وإن لم يعق عنه " بدل " لمن لم يعق عنه " ورواية الفربري أولى لأن قضية رواية النسفي تعين التسمية غداة الولادة سواء حصلت العقيقة عن ذلك المولود أم لا ، وهذا يعارضه الأخبار الواردة في التسمية يوم السابع كما سأذكرها قريبا . وقضية رواية الفربري أن من لم يرد أن يعق عنه لا يؤخر تسميته إلى السابع كما وقع في قصة إبراهيم بن أبي موسى وعبد الله بن أبي طلحة وكذلك إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير ، فإنه لم ينقل أنه عق عن أحد منهم ، ومن أريد أن يعق عنه تؤخر تسميته إلى السابع كما سيأتي في الأحاديث الأخرى ، وهو جمع لطيف لم أره لغير البخاري .

قوله ( وتحنيكه ) أي غداة يولد ، وكأنه قيد بالغداة اتباعا للفظ الخبر . والغداة تطلق ويراد بها مطلق الوقت وهو المراد هنا ، وإنما اتفق تأخير ذلك لضرورة الواقع ، فلو اتفق أنها تلد نصف النهار مثلا فوقت التحنيك والتسمية بعد الغداة قطعا . والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه . وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه ، وأولاه التمر فإن لم يتيسر تمر [ ص: 502 ] فرطب ، وإلا فشيء حلو ، وعسل النحل أولى من غيره ، ثم ما لم تمسه نار كما في نظيره مما يفطر الصائم عليه . ويستفاد من قوله " وإن لم يعق عنه " الإشارة إلى أن العقيقة لا تجب ، قال الشافعي أفرط فيها رجلان قال أحدهما هي بدعة والآخر قال واجبة ; وأشار بقائل الوجوب إلى الليث بن سعد ، ولم يعرف إمام الحرمين الوجوب إلا عن داود فقال : لعل الشافعي أراد غير داود إنما كان بعده ، وتعقب بأنه ليس للعل هنا معنى بل هو أمر محقق فإن الشافعي مات ولداود أربع سنين ، وقد جاء الوجوب أيضا عن أبي الزناد وهي رواية عن أحمد . والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة قال ابن المنذر : أنكر أصحاب الرأي أن تكون سنة وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة ، واستدل بعضهم بما رواه مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه " سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق " كأنه كره الاسم وقال " من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل " .

وفي رواية سعيد بن منصور عن سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن عمه " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن العقيقة وهو على المنبر بعرفة فذكره " وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه أبو داود ، ويقوى أحد الحديثين بالآخر ، قال أبو عمر : لا أعلمه مرفوعا إلا عن هذين . قلت : وقد أخرجه البزار وأبو الشيخ في العقيقة من حديث أبي سعيد ، ولا حجة فيه لنفي مشروعيتها . بل آخر الحديث يثبتها ، وإنما غايته أن يؤخذ منه أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وأن لا تسمى عقيقة . وقد نقله ابن أبي الدم عن بعض الأصحاب قال كما في تسمية العشاء عتمة ، وادعى محمد بن الحسن نسخها بحديث " نسخ الأضحى كل ذبح " أخرجه الدارقطني من حديث علي وفي سنده ضعف . وأما نفي ابن عبد البر وروده فمتعقب ، وعلى تقدير أن يثبت أنها كانت واجبة ثم نسخ وجوبها فيبقى الاستحباب كما جاء في صوم عاشوراء ، فلا حجة فيه أيضا لمن نفى مشروعيتها . ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث : الأول حديث أبي موسى .

قوله ( بريد ) بالموحدة والراء مصغر هو ابن عبد الله بن أبي بردة وهو يروي عن جده أبي بردة عن أبي موسى الأشعري نسخه >[1] وإبراهيم بن أبي موسى المذكور في هذا الحديث ذكره جماعة في الصحابة لما وقع في هذا الحديث ، وذلك يقتضي أن تكون له رواية ، وقد ذكره ابن حبان في الصحابة وقال : لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم ذكره في ثقات التابعين وليس ذلك تناقضا منه بل هو بالاعتبارين .

قوله ( فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه ) فيه إشعار بأنه أسرع بإحضاره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن تحنيكه كان بعد تسميته ، ففيه تعجيل تسمية المولود ولا ينتظر بها إلى السابع . وأما ما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث الحسن عن سمرة في حديث العقيقة " تذبح عنه يوم السابع ويسمى " فقد اختلف في هذه اللفظة هل هي " يسمى " أو " يدمى " بالدال بدل السين ؟ وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي يليه . ويدل على أن التسمية لا تختص بالسابع ما تقدم في النكاح من حديث أبي أسيد أنه " أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابنه حين ولد فسماه المنذر " وما أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس رفعه قال " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ، ثم دفعه إلى أم سيف " الحديث . قال البيهقي : تسمية المولود حين يولد أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع . قلت : قد ورد فيه غير ما ذكر ، ففي البزار وصحيحي ابن حبان والحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن [ ص: 503 ] والحسين يوم السابع وسماهما " وللترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود لسابعه " وهذا من الأحاديث التي يتعين فيها أن الجد هو الصحابي لا جد عمرو الحقيقي محمد بن عبد الله بن عمرو . وفي الباب عن ابن عباس قال " سبعة من السنة في الصبي : يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ من عقيقته ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة " أخرجه الطبراني في " الأوسط " وفي سنده ضعف ، وفيه أيضا عن ابن عمر رفعه " إذا كان يوم السابع للمولود فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى وسموه " وسنده حسن . الحديث الثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية