صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصلاة باب بدء الأذان

377 حدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا محمد بن بكر ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق قالا أخبرنا ابن جريج ح حدثنا هارون بن عبد الله واللفظ له قال حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني نافع مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر أنه قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة
[ ص: 59 ] اختلف العلماء في أصل الصلاة فقيل : هي الدعاء لاشتمالها عليه ، وهذا قول جماهير أهل العربية والفقهاء وغيرهم ، وقيل : لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي من السابق في خيل الحلبة ، وقيل : هي من ( الصلوين ) وهما عرقان مع الردف . وقيل : هما عظمان ينحنيان في الركوع والسجود قالوا : ولهذا كتبت ( الصلاة ) بالواو في المصحف ، وقيل : هي من الرحمة ، وقيل : أصلها الإقبال على الشيء ، وقيل غير ذلك . والله تعالى أعلم .

قال أهل اللغة : الأذان : الإعلام . قال الله تعالى : وأذان من الله ورسوله وقال تعالى : فأذن مؤذن ويقال : الأذان والتأذين والأذين .

قوله : ( كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة ) قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - : معنى يتحينون يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه ( والحين ) الوقت من الزمان .

[ ص: 60 ] قوله : ( فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا ) قال أهل اللغة : هو الذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم ، وجمعه نواقيس ، والنقس ضرب الناقوس .

قوله : كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ، وليس ينادي بها أحد ، فتكلموا يوما في ذلك ، فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا ، وقال بعضهم : قرنا ، فقال عمر - رضي الله عنه - : أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قم يا بلال فناد بالصلاة في هذا الحديث فوائد منها منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في إصابته الصواب ، وفيه التشاور في الأمور لا سيما المهمة ؛ وذلك مستحب في حق الأمة بإجماع العلماء ، واختلف أصحابنا هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم كانت سنة في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما في حقنا؟ والصحيح عندهم وجوبها ، وهو المختار . قال الله تعالى : وشاورهم في الأمر والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحققو أهل الأصول أن الأمر للوجوب ، وفيه أنه ينبغي للمتشاورين أن يقول كل منهم ما عنده ، ثم صاحب الأمر يفعل ما ظهرت له مصلحة ، والله أعلم .

وأما قوله : ( أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة ) فقال القاضي عياض - رحمه الله - : ظاهره أنه إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي ، بل إخبار بحضور وقتها . وهذا الذي قاله محتمل أو متعين ، فقد صح في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما أنه رأى الأذان في المنام فجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره به ، فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى ، وذكر الحديث . فهذا ظاهره أنه كان في مجلس آخر ، فيكون الواقع الإعلام أولا ، ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان ، فشرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إما بوحي ، وإما باجتهاده - صلى الله عليه وسلم - على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له - صلى الله عليه وسلم - ، وليس هو عملا بمجرد المنام . هذا ما لا يشك فيه بلا خلاف . والله أعلم .

قال الترمذي : ولا يصح لعبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء غير حديث الأذان ، وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، ذاك له أحاديث كثيرة في الصحيحين ، وهو عم عباد بن تميم . والله أعلم .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا بلال قم فناد بالصلاة ) فقال القاضي عياض - رحمه الله - : فيه حجة لشرع الأذان من قيام ، وأنه لا يجوز الأذان قاعدا . قال : وهو مذهب العلماء كافة إلا أبا ثور فإنه جوزه ووافقه أبو الفرج المالكي ، وهذا الذي قاله ضعيف لوجهين : أحدهما أنا قدمنا عنه أن المراد بهذا النداء الإعلام بالصلاة لا الأذان المعروف ، والثاني أن المراد قم فاذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس من البعد ، وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان ، لكن يحتج للقيام في الأذان بأحاديث معروفة غير هذا .

وأما قوله : مذهب العلماء كافة أن القيام واجب فليس كما قال ، بل مذهبنا [ ص: 61 ] المشهور أنه سنة ، فلو أذن قاعدا بغير عذر صح أذانه لكن فاتته الفضيلة ، وكذا لو أذن مضطجعا مع قدرته على القيام صح أذانه على الأصح لأن المراد الإعلام وقد حصل ، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء . والله أعلم .

وأما السبب في تخصيص بلال - رضي الله عنه - بالنداء والإعلام فقد جاء مبينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما في الحديث الصحيح حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك . قيل : معناه أرفع صوتا ، وقيل : أطيب ، فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وحسنه . وهذا متفق عليه .

قال أصحابنا : فلو وجدنا مؤذنا حسن الصوت يطلب على أذانه رزقا وآخر يتبرع بالأذان لكنه غير حسن الصوت ، فأيهما يؤخذ؟ فيه وجهان : أصحهما يرزق حسن الصوت ، وهو قول ابن شريح . والله أعلم .

وذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء : إظهار شعار الإسلام ، وكلمة التوحيد ، والإعلام بدخول وقت الصلاة وبمكانها ، والدعاء إلى الجماعة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية