صفحة جزء
باب القراءة في الظهر والعصر

451 وحدثنا محمد بن المثنى العنزي حدثنا ابن أبي عدي عن الحجاج يعني الصواف عن يحيى وهو ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة عن أبي قتادة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية وكذلك في الصبح
قوله في حديث أبي قتادة رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا ، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وفي رواية أبي سعيد - رضي الله عنه - كان يقرأ في كل ركعة من الأوليين قدر ثلاثين آية ، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية ، أو قال : نصف ذلك ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك .

وفي حديث سعد أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين وفي حديث سعيد الآخر قال : لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى مما يطولها وفي أحاديث أخر في غير الباب وهي في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أخف الناس صلاة في تمام ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : إني [ ص: 129 ] لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمه قال العلماء : كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال ، فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل ، ولا شغل هناك له ولا لهم طول ، وإذا لم يكن كذلك خفف ، وقد يريد [ ص: 130 ] الإطالة ثم يعرض ما يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه ، وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف ، وقيل : إنما طول في بعض الأوقات وهو الأقل ، وخفف في معظمها فالإطالة لبيان جوازها والتخفيف لأنه الأفضل ، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بالتخفيف وقال : إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وقيل : طول في وقت ، وخفف في وقت ليبين أن القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط ، بل يجوز قليلها وكثيرها ، وإنما المشترط الفاتحة ولهذا اتفقت الروايات عليها ، واختلف فيما زاد . وعلى الجملة السنة التخفيف كما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلة التي بينها ، وإنما طول في بعض الأوقات لتحققه انتفاء العلة فإن تحقق أحد انتفاء العلة طول .

قوله : ( وكان يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين ) فيه دليل لما قاله أصحابنا وغيرهم أن قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة ، لأنالمستحب للقارئ أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط ويقف عند انتهاء المرتبط ، وقد يخفى الارتباط على أكثر الناس أو كثير فندب منهم إلى إكمال السورة ليحترز عن الوقوف دون الارتباط .

وأما اختلاف الرواية في السورة في الأخريين فلعل سببه ما ذكرناه من اختلاف إطالة الصلاة وتخفيفها بحسب الأحوال ، وقد اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الأخريين من الرباعية والثالثة من المغرب فقيل بالاستحباب وبعدمه ، وهما قولان للشافعي - رحمه الله تعالى - . قال الشافعي : ولو أدرك المسبوق الأخريين أتى بالسورة في الباقيتين عليه لئلا تخلو صلاته من سورة . وأما اختلاف قدر القراءة في الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره . قالوا : فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل ، وتكون الصبح أطول ، وفي العشاء والعصر بأوساطه ، وفي المغرب بقصاره . قالوا : والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنوم [ ص: 131 ] آخر الليل ، وفي القائلة فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها ، والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك ، والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة تخفيفها لذلك ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم ، والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر . والله أعلم .

وقوله : ( وكان يطول الركعة الأولى ويقصر الثانية ) هذا مما اختلف العلماء في العمل بظاهره وهما وجهان لأصحابنا أشهرهما عندهم لا يطول ، والحديث متأول على أنه طول بدعاء الافتتاح والتعوذ ، أو لسماع دخول داخل في الصلاة ونحوه لا في القراءة ، والثاني أنه يستحب تطويل القراءة في الأولى قصدا هذا وهو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة ، ومن قال بقراءة السورة في الأخريين اتفقوا على أنها أخف منها في الأوليين ، واختلف أصحابنا في تطويل الثالثة على الرابعة إذا قلنا بتطويل الأولى على الثانية ، وفي هذه الأحاديث كلها دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في جميع الركعات ، ولم يوجب أبو حنيفة - رضي الله عنه - في الأخريين القراءة بل خيره بين القراءة والتسبيح والسكوت ، والجمهور على وجوب القراءة ، وهو الصواب الموافق للسنن الصحيحة .

وقوله : ( وكان يسمعنا الآية أحيانا ) هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية . وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة ، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية