صفحة جزء
باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة

525 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن البراء بن عازب قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فنزلت بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون فحدثهم فولوا وجوههم قبل البيت
فيه حديث البراء ، وهو دليل على جواز النسخ ووقوعه ، وفيه قبول خبر الواحد . وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا : من صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في أثنائها فيستدبر إلى الجهة الأخرى ، حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة ، فصلى كل ركعة منها إلى جهة ؛ صحت صلاته على الأصح ؛ لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها . وفيه : دليل على أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه . فإن قيل : هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد ، وذلك ممتنع عند أهل الأصول ، فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم ، وخرج عن كونه خبر واحد مجردا .

واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء - رحمهم الله تعالى - في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فحكى الماوردي في الحاوي وجهين في ذلك لأصحابنا . قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - : ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن ، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال : إن القرآن ينسخ السنة ، وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين ، وهو أحد قولي الشافعي - رحمه الله تعالى - .

والقول الثاني له وبه قال طائفة : لا يجوز ؛ لأن السنة مبينة للكتاب فكيف ينسخها؟ وهؤلاء يقولون : لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة ، بل كان بوحي . قال الله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الآية . واختلفوا أيضا في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن ، فجوزه الأكثرون ، ومنه الشافعي - رحمه الله تعالى - وطائفة .

قوله : ( بيت المقدس ) فيه لغتان مشهورتان : إحداهما : فتح الميم وإسكان القاف ، والثانية : ضم [ ص: 183 ] الميم وفتح القاف ، ويقال فيه أيضا : إيلياء ، والياء . وأصل المقدس والتقديس من التطهير . وقد أوضحته مع بيان لغاته وتصريفه واشتقاقه في تهذيب الأسماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية