صفحة جزء
27 حدثنا سهل بن عثمان وأبو كريب محمد بن العلاء جميعا عن أبي معاوية قال أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد شك الأعمش قال لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة قالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افعلوا قال فجاء عمر فقال يا رسول الله إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع الله لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة قال ويجيء الآخر بكف تمر قال ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة
قوله : ( لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ) هكذا ضبطناه ( يوم غزوة تبوك ) والمراد باليوم هنا الوقت والزمان لا اليوم الذي هو ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس . وليس في كثير من الأصول أو أكثرها ذكر اليوم هنا . وأما الغزوة فيقال فيها أيضا الغزاة . وأما ( تبوك ) فهي من أدنى أرض الشام . والمجاعة بفتح الميم وهو الجوع الشديد .

قوله : ( فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا ) النواضح من الإبل التي يستقى عليها . قال أبو عبيد : الذكر منها ناضح والأنثى ناضحة . قال صاحب ( التحرير ) : قوله ( وادهنا ) ليس مقصوده ما هو المعروف من الادهان وإنما معناه : اتخذنا دهنا من شحومها . وقولهم : ( لو أذنت لنا ) هذا من أحسن آداب خطاب الكبار والسؤال منهم . فيقال : لو فعلت كذا . أو أمرت بكذا ، لو أذنت في كذا ، وأشرت بكذا .

ومعناه لكان خيرا أو لكان صوابا ورأيا متينا أو مصلحة ظاهرة وما أشبه هذا . فهذا أجمل من قولهم للكبير : افعل كذا بصيغة الأمر . وفيه أنه لا ينبغي لأهل العسكر من الغزاة أن يضيعوا دوابهم التي يستعينون بها في القتال بغير إذن الإمام ، ولا يأذن لهم إلا إذا رأى مصلحة ، أو خاف مفسدة ظاهرة . والله أعلم .

قوله : ( فجاء عمر فقال : يا رسول الله إن فعلت قل الظهر ) فيه جواز الإشارة على الأئمة والرؤساء . وأن للمفضول أن يشير عليهم بخلاف ما رأوه إذا ظهرت مصلحته عنده ، وأن يشير عليهم بإبطال ما أمروا بفعله . والمراد بالظهر هنا الدواب ، سميت ظهرا لكونها يركب على ظهرها ، أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر .

قوله : ( ثم ادع الله تعالى لهم عليها بالبركة لعل الله تعالى أن يجعل في ذلك ) هكذا وقع في الأصول التي رأينا . وفيه محذوف تقديره يجعل في ذلك بركة أو خيرا أو نحو ذلك . فحذف المفعول به لأنه فضلة . وأصل البركة كثرة الخير وثبوته . وتبارك الله ثبت الخير عنده ، وقيل غير ذلك .

قوله : ( فدعا بنطع ) فيه أربع لغات مشهورة أشهرها : كسر النون مع فتح الطاء والثانية : بفتحهما . والثالثة : بفتح النون مع إسكان الطاء . والرابعة : بكسر النون مع إسكان الطاء .

[ ص: 183 ] قوله : ( وفضلت فضلة ) يقال : فضل وفضل بكسر الضاد وفتحها لغتان مشهورتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية