صفحة جزء
باب بيان خصال المنافق

58 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر غير أن في حديث سفيان وإن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ) وفي رواية : ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك . وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ، ولا هو منافق يخلد في النار ; فإن إخوة يوسف - صلى الله عليه وسلم - جمعوا هذه الخصال . وكذا وجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله . وهذا الحديث ليس فيه بحمد الله تعالى إشكال ، ولكن اختلف العلماء في معناه . فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار : أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافق في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم . فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه ، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال ، ويكون نفاقه في حق من حدثه ، ووعده ، وائتمنه ، [ ص: 236 ] وخاصمه ، وعاهده من الناس ، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر . ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( كان منافقا خالصا ) معناه شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال . قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه . فأما من يندر فليس داخلا فيه . فهذا هو المختار في معنى الحديث . وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي - رضي الله عنه - معناه عن العلماء مطلقا فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل . وقال جماعة من العلماء : المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثوا بإيمانهم ، وكذبوا ، واؤتمنوا على دينهم فخانوا ، ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا ، وفجروا في خصوماتهم . وهذا قول سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح . ورجع إليه الحسن البصري - رحمه الله - بعد أن كان على خلافه . وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - ، وروياه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال القاضي عياض - رحمه الله - : وإليه مال كثير من أئمتنا . وحكى الخطابي - رحمه الله - قولا آخر أن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال التي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق . وحكى الخطابي : - رحمه الله - أيضا عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يواجههم بصريح القول ، فيقول : فلان منافق ، وإنما كان يشير إشارة كقوله - صلى الله عليه وسلم - ما بال أقوام يفعلون كذا ؟ والله أعلم .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأولى : ( أربع من كن فيه كان منافقا ) وفي الرواية الأخرى ( آية المنافق ثلاث ) فلا منافاة بينهما فإن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منهن تحصل بها صفته ، ثم قد تكون تلك العلامة شيئا واحدا ، وقد تكون أشياء . والله أعلم .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا عاهد غدر ) هو داخل في قوله : ( وإذا اؤتمن خان ) وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإن خاصم فجر ) أي مال عن الحق ، وقال الباطل والكذب . قال أهل اللغة . وأصل الفجور الميل عن القصد .

التالي السابق


الخدمات العلمية