صفحة جزء
باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه

818 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمثله وزاد فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم حدثنا إسحق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري كرواية يونس بإسناده
[ ص: 422 ] قوله : ( لببته بردائه ) هو بتشديد الباء الأولى معناه : أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجررته ، به مأخوذ من اللبة بفتح اللام ؛ لأنه يقبض عليها ، وفي هذا بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه ، والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية .

وأما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر [ ص: 423 ] بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره ، ولأن عمر إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر ، ولأنه إذا قرأ وهو يلبث لم يتمكن من حضور البال وتحقيق القراءة تمكن المطلق .

قوله - صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ) قال العلماء : سبب إنزاله على سبعة التخفيف والتسهيل ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( هون على أمتي ) كما صرح به في الرواية الأخرى ، واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف . قال القاضي عياض : قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر ، قال : وقال الأكثرون : هو حصر للعدد في سبعة ، ثم قيل : هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي . ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة .

وقال آخرون : هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة ومد ؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه ، فيسر الله تعالى [ ص: 424 ] عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه . وقال آخرون : هي الألفاظ والحروف ، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه مسلم عنه في الكتاب ، ثم اختلف هؤلاء فقيل : سبع قراءات وأوجه . وقال أبو عبيد : سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها . وقيل : بل السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة . وقيل : بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى وعبد الطاغوت و نرتع ونلعب و باعد بين أسفارنا و بعذاب بئيس وغير ذلك .

وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني : الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضبطها عنه الأمة ، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها ، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا ، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضاربة ولا متنافية . وذكر الطحاوي أن القراء بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة ، فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة .

قال الداودي : وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل تكون مفرقة فيها . وقال أبو عبيد الله بن أبي صفرة : القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث ، وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف ، وهذا ذكره [ ص: 425 ] النحاس وغيره . قال غيره : ولا تكن القراءة بالسبع المذكورة في الحديث في ختمة واحدة ، ولا يدرى أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلها مستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضبطها عنه الأمة وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة ، أي أنه كان أكثر قراءة به ، كما أضيف كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السبعة وغيرهم .

قال المازري : وأما قول من قال : المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف ، وقد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام . قال : وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع بصير فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس ، هذا مختصر ما نقله القاضي عياض في المسألة . والله أعلم .

قوله : ( فكدت أساوره ) بالسين المهملة أي أعاجله وأواثبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية