صفحة جزء
باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد

892 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو كريب جميعا عن أبي معاوية عن هشام بهذا الإسناد وفيه جاريتان تلعبان بدف
قولها : ( وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت : وليستا بمغنيتين ) أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر ، وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الأنصار : الأوس والخزرج في الجاهلية حرب ، وكان الظهور فيه للأوس . قال القاضي : قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم : هو بالعين المهملة ، وقال أبو عبيدة : بالغين المعجمة ، والمشهور المهملة كما قدمناه . وقولها : وليستا بمغنيتين معناه : ليس الغناء عادة لهما ، ولا هما معروفتان به . واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك ، وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ، ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك ، واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك ، مما لا مفسدة فيه ، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ، ويحملها على البطالة [ ص: 488 ] والقبيح .

قال القاضي : إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة ، وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه ، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد ، ولهذا قالت : وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل : ( الغناء فيه الزنا ) وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا ، والعرب تسمي الإنشاد غناء ، وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح ، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم ، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد .

قوله : ( أبمزمور الشيطان ) هو بضم الميم الأولى وفتحها ، والضم أشهر ، ولم يذكر القاضي غيره . ويقال أيضا : مزمار بكسر الميم ، وأصله صوت بصفير ، والزمير الصوت الحسن ، ويطلق على الغناء أيضا .

قوله : ( أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم . وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير ، بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه ، وإنما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهن لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه إعراضا عن اللهو ، ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن ، وكان هذا من رأفته - صلى الله عليه وسلم - وحلمه وحسن خلقه .

قوله : ( جاريتان تلعبان بدف ) هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففيه مع قوله - صلى الله عليه وسلم : ( هذا عيدنا ) أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر ، وهو العيد والعرس والختان .

التالي السابق


الخدمات العلمية