صفحة جزء
941 حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي ثم قال لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها
قولها : ( كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ) السحولية بفتح السين وضمها ، والفتح أشهر ، وهو رواية الأكثرين . قال ابن الأعرابي وغيره : هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن ، وقال ابن قتيبة : ثياب بيض ، ولم يخصها بالقطن ، وقال آخرون : هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها ، وقال الأزهري : السحولية - بالفتح - منسوبة إلى سحول مدينة باليمن [ ص: 10 ] يحمل منها هذه الثياب ، وبالضم ثياب بيض ، وقيل : إن القرية أيضا بالضم ، حكاه ابن الأثير في النهاية .

في هذا الحديث - وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما - وجوب تكفين الميت ، وهو إجماع المسلمين ، ويجب في ماله ، فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته ، فإن لم يكن ففي بيت المال ، فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على أهل اليسار وعلى ما يراه .

وفيه : أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل ، وهو مذهبنا ومذهب الجماهير ، والواجب ثوب واحد كما سبق ، والمستحب في المرأة خمسة أثواب ، ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة ، لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة ، وأما الزيادة على خمسة فإسراف في حق الرجل والمرأة .

قولها : ( بيض ) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض ، وهو مجمع عليه ، وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة .

وأما الحرير ، فقال أصحابنا : يحرم تكفين الرجل فيه ، ويجوز تكفين المرأة فيه مع الكراهة . وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا ، قال ابن المنذر : ولا أحفظ خلافه .

وقولها : ( ليس فيها قميص ولا عمامة ) معناه : لم يكفن في قميص ولا عمامة ، وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ، ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر ، هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء ، وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث . قالوا : ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة ، وقال مالك وأبو حنيفة : يستحب قميص وعمامة . وتأولوا الحديث على أن معناه : ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة ، وإنما هما زائدان عليهما ، وهذا ضعيف ، فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص وعمامة .

وهذا الحديث يتضمن أن القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه ، وهذا هو الصواب الذي لا يتجه غيره ؛ لأنه لو بقي مع رطوبته لأفسد الأكفان ، وأما الحديث الذي في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب : الحلة ثوبان ، وقميصه الذي توفي فيه ، فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ؛ لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه ، لا سيما وقد خالف بروايته الثقات .

قوله : ( من كرسف ) هو القطن . وفيه : دليل على استحباب كفن القطن .

قولها : ( أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها ) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ، ومعناه : اشتبه عليهم . قال أهل اللغة : ولا تكون الحلة إلا ثوبين : إزارا ورداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية