صفحة جزء
باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا

1143 حدثنا عمرو الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جبير عن محمد بن عباد بن جعفر سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة فقال نعم ورب هذا البيت وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة أنه أخبره محمد بن عباد بن جعفر أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم
باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته

قوله : ( سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ فقال : نعم . ورب هذا البيت ) وفي رواية أبي هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده ، وفي رواية : لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا [ ص: 210 ] تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم هكذا وقع في الأصول ( تختصوا ليلة الجمعة ، ولا تخصوا يوم الجمعة ) بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد وبحذفها في الثاني ، وهما صحيحان .

وفي هذه الأحاديث الدلالة الظاهرة لقول جمهور أصحاب الشافعي وموافقيهم ، وأنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم إلا أن يوافق عادة له ، فإن وصله بيوم قبله أو بعده ، أو وافق عادة له بأن نذر أن يصوم يوم شفاء مريضه أبدا ، فوافق يوم الجمعة لم يكره ؛ لهذه الأحاديث .

وأما قول مالك في الموطأ : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ، ومن به يقتدى نهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه ، وأراه كان يتحراه ، فهذا الذي قاله هو الذي رآه ، وقد رأى غيره خلاف ما رأى هو ، والسنة مقدمة على ما رآه هو وغيره ، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة ، فيتعين القول به . ومالك معذور ؛ فإنه لم يبلغه . قال الداودي من أصحاب مالك : لم يبلغ مالكا هذا الحديث ، ولو بلغه لم يخالفه ، قال العلماء : والحكمة في النهي عنه : أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة : من الغسل والتبكير إلى الصلاة وانتظارها واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها ؛ لقول الله تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا وغير ذلك من العبادات في يومها ، فاستحب الفطر فيه ، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها ، والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة ، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة ، فإن السنة له الفطر كما سبق تقريره لهذه الحكمة ، فإن قيل : لو كان كذلك لم يزل النهي والكراهة بصوم قبله أو بعده لبقاء المعنى ، فالجواب : أنه يحصل له بفضيلة الصوم الذي قبله أو بعده ما يجبر ما قد يحصل من فتور أو تقصير في وظائف يوم الجمعة بسبب صومه ، فهذا هو [ ص: 211 ] المعتمد في الحكمة في النهي عن إفراد صوم الجمعة ، وقيل : سببه خوف المبالغة في تعظيمه ، بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت ، وهذا ضعيف منتقض بصلاة الجمعة وغيرها مما هو مشهور من وظائف يوم الجمعة وتعظيمه ، وقيل : سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه ، وهذا ضعيف منتقض بيوم الاثنين فإنه يندب صومه ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد ، وبيوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك ، فالصواب ما قدمنا . والله أعلم .

وفي هذا الحديث النهي الصريح عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين الليالي ، ويومها بصوم كما تقدم . وهذا متفق على كراهيته ، واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب - قاتل الله واضعها ومخترعها - فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة ، وفيها منكرات ظاهرة ، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ، ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية