صفحة جزء
باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر

1280 حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وابن حجر قالوا حدثنا إسمعيل ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال أخبرنا إسمعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ثم قلت الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة فصلى ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع
[ ص: 404 ] قوله في حديث أسامة : ( ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات ) هذا دليل على استحباب الركوب في الدفع من عرفات ، وعلى جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة ، وعلى جواز الارتداف مع أهل الفضل ، ولا يكون ذلك خلاف الأدب .

قوله : ( فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا ) فقوله : ( فصببت عليه الوضوء ) . الوضوء هنا بفتح الواو ، وهو الماء الذي يتوضأ به ، وسبق فيه لغة أنه يقال بالضم وليست بشيء .

وقوله : ( فتوضأ وضوءا خفيفا ) يعني توضأ وضوء الصلاة وخففه بأن توضأ مرة مرة ، أو خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته صلى الله عليه وسلم ، وهذا معنى قوله في الرواية الأخرى : ( فلم يسبغ الوضوء ) أي لم يفعله على العادة . وفيه : دليل على جواز الاستعانة في الوضوء ، قال أصحابنا : الاستعانة فيه ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يستعين في إحضار الماء من البئر والبيت ونحوهما ، وتقديمه إليه ، وهذا جائز ، ولا يقال إنه خلاف الأولى .

والثاني أن يستعين بمن يغسل الأعضاء ، فهذا مكروه كراهة تنزيه ، إلا أن يكون معذورا بمرض أو غيره .

والثالث أن يستعين بمن يصب عليه ، فإن كان لعذر فلا بأس ، وإلا فهو خلاف الأولى ، وهل يسمى مكروها ؟ فيه وجهان لأصحابنا : أصحهما : ليس بمكروهلأنه ؛ لأنه لم يثبت فيه نهي ، وأما استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأسامة والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك وبالربيع بنت معوذ فلبيان الجواز ، ويكون أفضل في حقه حينئذ ؛ لأنه مأمور بالبيان . والله أعلم .

قوله ( قلت : الصلاة يا رسول الله فقال : الصلاة أمامك ) معناه : أن أسامة ذكره بصلاة المغرب ، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسيها حيث أخرها عن العادة المعروفة في غير هذه الليلة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الصلاة أمامك ، أي إن الصلاة في هذه الليلة مشروعة فيما بين يديك ، أي في المزدلفة . ففيه استحباب تذكير التابع المتبوع بما تركه خلاف العادة ليفعله أو يعتذر عنه أو يبين له وجه صوابه ، وأن مخالفته للعادة سببها كذا وكذا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الصلاة أمامك ) ففيه أن السنة في هذا الموضع في هذه الليلة تأخير المغرب إلى العشاء والجمع بينهما في المزدلفة ، وهو كذلك بإجماع المسلمين ، وليس هو بواجب بل سنة ، فلو صلاهما في طريقه أو صلى كل واحدة في وقتها جاز ، وقال بعض أصحاب مالك : إن صلى المغرب في وقتها لزمه إعادتها ، وهذا شاذ ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية