صفحة جزء
باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره

1338 حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي جميعا عن عبيد الله بهذا الإسناد في رواية أبي بكر فوق ثلاث وقال ابن نمير في روايته عن أبيه ثلاثة إلا ومعها ذو محرم
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم ) وفي رواية : ( فوق ثلاث ) وفي رواية : ( ثلاثة ) وفي رواية : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم [ ص: 466 ] وفي رواية : لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها وفي رواية : نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين وفي رواية : لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها وفي رواية : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم وفي رواية : ( مسيرة يوم وليلة ) وفي رواية : ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) .

هذه روايات مسلم وفي رواية لأبي داود ( ولا تسافر بريدا ) والبريد مسيرة نصف يوم ، قال العلماء : اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين ، واختلاف المواطن ، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة والليلة أو البريد ، قال البيهقي : كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم ، فقال : لا ، وسئل عن سفرها يومين بغير محرم : فقال : لا ، وسئل عن سفرها يوما فقال : لا . وكذلك البريد ، فأدى كل منهم ما سمعه ، وما جاء منها مختلفا عن رواية واحد فسمعه في مواطن ، فروى تارة هذا ، وتارة هذا ، وكله صحيح ، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر ، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا ، فالحاصل أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم ، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أويوما أو بريدا أو غير ذلك ؛ لرواية ابن عباس المطلقة ، وهي آخر روايات مسلم السابقة ( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا . والله أعلم .

وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت . وقوله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس الحديث . واستطاعتها كاستطاعة الرجل ، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها ، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل ، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي ، وحكي ذلك أيضا عن الحسن البصري ، والنخعي ، وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه : لا يشترط المحرم ، بل يشترط الأمن على نفسها ، قال أصحابنا : يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات ، ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء ، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها ، لكن يجوز لها الحج معها ، هذا هو الصحيح ، وقال بعض أصحابنا : يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة ، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد ، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة ، والمشهور من نصوص الشافعي وجماهير أصحابه هو الأول ، واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة ، فقال بعضهم : يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام ، وقال الجمهور : لا يجوز إلا مع زوج أو محرم ، وهذا هو الصحيح ؛ للأحاديث الصحيحة ، وقد قال القاضي : [ ص: 467 ] واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب ، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم ، والفرق بينهما أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين ، وتخشى على دينها ونفسها ، وليس كذلك التأخر عن الحج ، فإنهم اختلفوا في الحج هل هو على الفور أم على التراخي ؟ قال القاضي عياض : قال الباجي : هذا عندي في الشابة ، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر كيف شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم ، وهذا الذي قاله الباجي لا يوافق عليه ؛ لأن المرأة مظنة الطمع فيها ، ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة ، وقد قالوا : لكل ساقطة لاقطة . ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وخيانته ونحو ذلك . والله أعلم .

واستدل أصحاب أبي حنيفة برواية ثلاثة أيام لمذهبهم أن قصر الصلاة في السفر لا يجوز إلا في سفر يبلغ ثلاثة أيام ، وهذا استدلال فاسد ، وقد جاءت الأحاديث بروايات مختلفة كما سبق ، وبينا مقصودها ، وأن السفر يطلق على يوم وعلى بريد وعلى دون ذلك ، وقد أوضحت الجواب عن شبهتهم إيضاحا بليغا في باب صلاة المسافر من شرح المهذب . والله أعلم .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا ومعها ذو محرم ) فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن جميع المحارم سواء في ذلك ، فيجوز لها المسافرة مع محرمها بالنسب كابنها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وخالها وعمها ، ومع محرمها بالرضاع كأخيها من الرضاع وابن أخيها وابن أختها منه ونحوهم ، ومع محرمها من المصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها ، ولا كراهة في شيء من ذلك ، وكذا يجوز لكل هؤلاء الخلوة بها والنظر إليها من غير حاجة ، ولكن لا يحل النظر بشهوة لأحد منهم ، هذا مذهب الشافعي والجمهور ، ووافق مالك على ذلك كله إلا ابن زوجها ، فكره سفرها معه لفساد الناس بعد العصر الأول ، ولأن كثيرا من الناس لا ينفرون من زوجة الأب نفرتهم من محارم النسب ، قال : والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب ، وعموم هذا الحديث يرد على مالك ، والله أعلم .

واعلم أن حقيقة المحرم من النساء التي [ ص: 468 ] يجوز النظر إليها والخلوة بها والمسافرة بها كل من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها ، فقولنا : ( على التأبيد ) احتراز من أخت المرأة وعمتها وخالتها ونحوهن ، وقولنا : ( بسبب مباح ) احتراز من أم الموطوءة بشبهة وبنتها ، فإنهما تحرمان على التأبيد وليستا محرمينلأن ؛ لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة ؛ لأنه ليس بفعل مكلف ، وقولنا : ( لحرمتها ) احتراز من الملاعنة فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح ، وليست محرمالأن ؛ لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية