صفحة جزء
باب في المصة والمصتان

1450 حدثني زهير بن حرب حدثنا إسمعيل بن إبراهيم ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا إسمعيل ح وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا معتمر بن سليمان كلاهما عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سويد وزهير إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحرم المصة والمصتان
قوله صلى الله عليه وسلم : لا تحرم المصة والمصتان . وفي رواية أخرى لا تحرم الإملاجة والإملاجتان ، وفي رواية ( قال : يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة ؟ قال : لا ) وفي رواية [ ص: 24 ] عائشة قالت : ( كان فيما أنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ) .

وأما ( الإملاجة ) فبكسر الهمزة والجيم المخففة وهي المصة يقال ملج الصبي أمه وأملجته .

3375 " وقولها : ( فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ ) هو بضم الياء من ( يقرأ ) ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ : خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى .

[ ص: 25 ] والنسخ ثلاثة أنواع : أحدها : ما نسخ حكمه وتلاوته كعشر رضعات ، والثاني : ما نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ، والثالث : ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر ، ومنه قوله تعالى : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم الآية ، والله أعلم .

واختلف العلماء في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع ، فقالت عائشة والشافعي وأصحابه : لا يثبت بأقل من خمس رضعات ، وقال جمهور العلماء : يثبت برضعة واحدة . حكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وابن المسيب والحسن ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنهم . وقال أبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وداود : يثبت بثلاث رضعات ولا يثبت بأقل .

فأما الشافعي وموافقوه فأخذوا بحديث عائشة : خمس رضعات معلومات ، وأخذ مالك بقوله تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، ولم يذكر عددا ، وأخذ داود بمفهوم حديث لا تحرم المصة والمصتان وقال : هو مبين للقرآن .

واعترض أصحاب الشافعي على المالكية فقالوا : إنما كانت تحصل الدلالة لكم لو كانت الآية : واللاتي أرضعنكم أمهاتكم .

واعترض أصحاب مالك على الشافعية بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به عندكم وعند محققي الأصوليين لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد ، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت بخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح وقف عن العمل به وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد مع أن العادة مجيئه متواترا توجب ريبة ، والله أعلم .

واعترضت الشافعية على المالكية بحديث " المصة والمصتان " وأجابوا عنه بأجوبة باطلة لا ينبغي ذكرها لكن ننبه عليها خوفا من الاغترار بها ، منها أن بعضهم ادعى أنها منسوخة ، وهذا باطل لا يثبت بمجرد الدعوى ، ومنها أن بعضهم زعم أنه موقوف على عائشة ، وهذا خطأ فاحش بل قد ذكره مسلم وغيره من طرق صحاح مرفوعا من رواية عائشة ومن رواية أم الفضل ، ومنها أن بعضهم زعم أنه مضطرب وهذا غلط ظاهر وجسارة على رد السنن بمجرد الهوى ، وتوهين صحيحها لنصرة المذاهب .

وقد جاء في اشتراط العدد أحاديث كثيرة مشهورة والصواب اشتراطه ، قال القاضي [ ص: 26 ] عياض : وقد شذ بعض الناس فقال : لا يثبت الرضاع إلا بعشر رضعات وهذا باطل مردود ، والله أعلم .

قوله : ( امرأتي الحدثى ) هو بضم الحاء وإسكان الدال ، أي الجديدة .

قوله : ( حدثنا حبان حدثنا همام ) هو حبان بن هلال وهو بفتح الحاء وبالباء الموحدة وذكر مسلم سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة وإرضاعها سالما وهو رجل .

واختلف العلماء في هذه المسألة ، فقالت عائشة وداود : تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما تثبت برضاع الطفل ؛ لهذا الحديث . وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن : لا يثبت إلا بإرضاع من له دون سنتين ، إلا أبا حنيفة فقال : سنتين ونصف ، وقال زفر : ثلاث سنين . وعن مالك رواية سنتين وأيام .

واحتج الجمهور بقوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وبالحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا " إنما الرضاعة من المجاعة " وبأحاديث مشهورة وحملوا حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم ، وقد روى مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن خالفن عائشة في هذا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية