صفحة جزء
باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

151 وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن أحق بالشك من إبراهيم صلى الله عليه وسلم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي وحدثني به إن شاء الله عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يونس عن الزهري وفي حديث مالك ولكن ليطمئن قلبي قال ثم قرأ هذه الآية حتى جازها حدثناه عبد بن حميد قال حدثني يعقوب يعني ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبو أويس عن الزهري كرواية مالك بإسناده وقال ثم قرأ هذه الآية حتى أنجزها
باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة

فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - نحن أحق بالشك من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي اختلف العلماء في معنى نحن أحق بالشك من إبراهيم على أقوال كثيرة أحسنها وأصحها ما قاله الإمام أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي وجماعات من العلماء معناه أن الشك مستحيل في حق إبراهيم فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك وإنما خص إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك وإنما رجع إبراهيم على نفسه - صلى الله عليه وسلم - تواضعا وأدبا أو قبل أن يعلم - صلى الله عليه وسلم - أنه خير ولد آدم قال صاحب التحرير قال جماعة من العلماء لما نزل قول الله تعالى أولم تؤمن قالت طائفة شك إبراهيم ولم يشك نبينا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " نحن أحق بالشك منه " فذكر نحو ما قدمته ثم قال ويقع لي فيه معنيان أحدهما أنه خرج مخرج العادة في الخطاب فإن من أراد المدافعة عن إنسان قال للمتكلم فيه ما كنت قائلا لفلان أو فاعلا معه من مكروه فقله لي وافعله معي ومقصوده لا تقل ذلك فيه

[ ص: 339 ] والثاني أن معناه أن هذا الذي تظنونه شكا أنا أولى به فإنه ليس بشك وإنما هو طلب لمزيد اليقين وقيل غير هذا من الأقوال فنقتصر على هذه لكونها أصحها وأوضحها والله أعلم

وأما سؤال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فذكر العلماء في سببه أوجها أظهرها أنه أراد الطمأنينة بعلم كيفية الإحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالا فإن علم الاستدلال قد تتطرق إليه الشكوك في الجملة بخلاف علم المعاينة فإنه ضروري وهذا مذهب الإمام أبي منصور الأزهري وغيره

والثاني أراد اختبار منزلته عند ربه في إجابة دعائه وعلى هذا قالوا معنى قوله تعالى أولم تؤمن أي تصدق بعظم منزلتك عندي واصطفائك وخلتك

والثالث سأل زيادة يقين وإن لم يكن الأول شكا فسأل الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين فإن بين العلمين تفاوتا قال سهل بن عبد الله التستري - رضي الله عنه - سأل كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنا

والرابع أنه لما احتج على المشركين بأن ربه سبحانه وتعالى يحيي ويميت طلب ذلك منه سبحانه وتعالى ليظهر دليله عيانا وقيل أقوال أخر كثيرة ليست بظاهرة قال الإمام أبو الحسن الواحدي - رحمه الله - اختلفوا في سبب سؤاله فالأكثرون على أنه رأى جيفة بساحل البحر يتناولها السباع والطير ودواب البحر فتفكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة ؟ وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه ولم يكن شاكا في إحياء الموتى ولكن أحب رؤية ذلك كما أن المؤمنين يحبون أن يروا النبي - صلى الله عليه وسلم - والجنة ويحبون رؤية الله تعالى مع الإيمان بكل ذلك وزوال الشكوك عنه قال العلماء والهمزة في قوله تعالى أولم تؤمن همزة إثبات كقول جرير

ألستم خير من ركب المطايا

والله أعلم

وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث والله أعلم أن لوطا - صلى الله عليه وسلم - لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في ذلك الحال " لو أن لي بكم قوة " في الدفع بنفسي " أو آوي " إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط - صلى الله عليه وسلم - إظهار العذر عند أضيافه وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله وأنه بذل وسعه في إكرامهم والمدافعة عنهم ولم يكن ذلك إعراضا منه - صلى الله عليه وسلم - عن الاعتماد على الله تعالى وإنما كان لما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر والله أعلم

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي فهو ثناء على يوسف - عليه [ ص: 340 ] الصلاة والسلام - وبيان لصبره وتأنيه والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن فلم يخرج يوسف - صلى الله عليه وسلم - مبادرا إلى الراحة ومفارقة السجن الطويل بل تثبت وتوقر وراسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه ولتظهر براءته عند الملك وغيره ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه ولا خجل من يوسف ولا غيره فبين نبينا - صلى الله عليه وسلم - فضيلة يوسف في هذا وقوة نفسه في الخير وكمال صبره وحسن نظره وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه ما قاله تواضعا وإيثارا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم

وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه مما تقدم بيانه المسيب والد سعيد وهو بفتح الياء على المشهور الذي قاله الجمهور ومنهم من يكسرها وهو قول أهل المدينة

وفيه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف واسمه عبد الله على المشهور وقيل اسمه إسماعيل وقيل لا يعرف اسمه

وفيه قول مسلم - رحمه الله - وحدثني به إن شاء الله تعالى عبد الله بن أسماء هذا مما قد ينكره على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه لكون مسلم - رحمه الله - قال وحدثني به إن شاء الله تعالى فيقول كيف يحتج بشيء يشك فيه وهذا خيال باطل من قائله فإن مسلما - رحمه الله - لم يحتج بهذا الإسناد وإنما ذكره متابعة واستشهادا وقد قدمنا أنهم يحتملون في المتابعات والشواهد ما لا يحتملون في الأصول والله تعالى أعلم

وفيه أبو عبيد عن أبي هريرة واسم أبي عبيد هذا سعد بن عبيد المدني مولى عبد الرحمن بن أزهر ويقال مولى عبد الرحمن بن عوف

وفيه أبو أويس واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني

ومن ألفاظ الباب قوله قرأ الآية حتى جازها وفي الرواية الأخرى أنجزها معنى جازها فرغ منها ومعنى أنجزها أتمها

وفيه يوسف وفيه ست لغات ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية