صفحة جزء
باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة وتحريمه في غير ذلك إلا ثلاثة أيام

1486 وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قال قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا
[ ص: 87 ] قال أهل اللغة : الإحداد والحداد مشتق من الحد وهو المنع لأنها تمنع الزينة والطيب ، يقال : أحدت المرأة تحد إحدادا وحدت تحد بضم الحاء وتحد بكسرها حدا ، كذا قال الجمهور أنه يقال : أحدت وحدت ، وقال الأصمعي : لا يقال إلا أحدت رباعيا ، ويقال : امرأة حاد ، ولا يقال : حادة وأما الإحداد في الشرع فهو ترك الطيب والزينة وله تفاصيل مشهورة في كتب الفقه .

قوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا فيه دليل على وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة زوجها وهو مجمع عليه في الجملة وإن اختلفوا في تفصيله ، فيجب على كل معتدة عن وفاة سواء المدخول بها وغيرها والصغيرة والكبيرة والبكر والثيب والحرة والأمة والمسلمة والكافرة هذا مذهب الشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين وأبو ثور وبعض المالكية : لا يجب على الزوجة الكتابية بل يختص بالمسلمة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله ) فخصه بالمؤمنة .

ودليل الجمهور أن المؤمن هو الذي يشمل خطاب الشارع وينتفع به وينقاد له ، فلهذا قيد به وقال أبو حنيفة أيضا : لا إحداد على الصغيرة ولا على الزوجة الأمة . وأجمعوا على أنه لا حداد على أم الولد ولا على الأمة إذا توفي عنهما سيدهما ولا على الزوجة الرجعية . واختلفوا في المطلقة ثلاثا ، فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وابن المنذر . لا إحداد عليها ، وقال الحكم وأبو حنيفة والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد : عليها الإحداد وهو قول ضعيف للشافعي وحكى القاضي قولا عن الحسن البصري أنه لا يجب الإحداد على المطلقة ولا على المتوفى عنها ، وهذا شاذ غريب .

ودليل من قال : لا حداد على المطلقة ثلاثا قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا على الميت ) فخص الإحداد بالميت بعد تحريمه في غيره . قال القاضي : واستفيد وجوب الإحداد في المتوفى عنها من اتفاق العلماء على حمل الحديث على ذلك ، مع أنه ليس في لفظه ما يدل على الوجوب ولكن اتفقوا على حمله على الوجوب مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر حديث أم سلمة وحديث أم عطية في الكحل والطيب واللباس ومنعها منه ، والله أعلم .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة أشهر وعشرا ) فالمراد به وعشرة أيام بلياليها . هذا مذهبنا [ ص: 88 ] ومذهب العلماء كافة ، إلا ما حكي عن يحيى بن أبي كثير والأوزاعي أنها أربعة أشهر وعشر ليال وأنها تحل في اليوم العاشر ، وعندنا وعند الجمهور لا تحل حتى تدخل ليلة الحادي عشر .

واعلم أن التقييد عندنا بأربعة أشهر وعشر خرج على غالب المعتدات أنها تعتد بالأشهر ، أما إذا كانت حاملا فعدتها بالحمل . ويلزمها الإحداد في جميع العدة حتى تضع سواء قصرت المدة أم طالت فإذا وضعت فلا إحداد بعده . وقال بعض العلماء : لا يلزمها الإحداد بعد أربعة أشهر وعشر وإن لم تضع الحمل ، والله أعلم .

قال العلماء والحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق ، لأن الزينة والطيب يدعوان إلى النكاح ويوقعان فيه فنهيت عنه ليكون الامتناع من ذلك زاجرا عن النكاح ، لكون الزوج ميتا لا يمنع معتدته من النكاح ولا يراعيه ناكحها ، ولا يخاف منه بخلاف المطلق الحي فإنه يستغني بوجوده عن زاجر آخر ولهذه العلة وجبت العدة على كل متوفى عنها ، وإن لم تكن مدخولا بها بخلاف الطلاق فاستظهر للميت بوجوب العدة وجعلت أربعة أشهر وعشرا ، لأن الأربعة فيها ينفخ الروح في الولد إن كان والعشر احتياطا ، وفي هذه المدة يتحرك الولد في البطن قالوا ولم يوكل ذلك إلى أمانة النساء ويجعل بالأقراء كالطلاق ، لما ذكرناه من الاحتياط للميت ولما كانت الصغيرة من الزوجات نادرة ألحقت بالغالب في حكم وجوب العدة والإحداد ، والله أعلم .

قوله : ( فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره ) هو برفع ( خلوق ) وبرفع ( غيره ) أي دعت بصفرة وهي خلوق أو غيره والخلوق بفتح الخاء هو طيب مخلوط .

قوله : ( مست بعارضيها ) هما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما دون الأذن وإنما فعلت هذا لدفع صورة الإحداد وفي هذا الذي فعلته أم حبيبة وزينب مع الحديث المذكور دلالة لجواز الإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام فما دونها .

التالي السابق


الخدمات العلمية