صفحة جزء
باب كراء الأرض

1536 وحدثني أبو كامل الجحدري حدثنا حماد يعني ابن زيد عن مطر الوراق عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض
[ ص: 151 ] قوله : ( عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض ) وفي رواية ( من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها إياه ) وفي رواية ( من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكرها ) وفي رواية ( نهى عن المخابرة ) وفي رواية ( فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا تبيعوها ) وفسره الراوي بالكراء ، وفي رواية ( فليزرعها أو فليحرثها أخاه وإلا فليدعها ) وفي رواية ( كنا نأخذ الأرض بالثلث والربع بالماذيانات فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم : في ذلك فقال : من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها ) وفي رواية من كانت له أرض فليهبها أو ليعرها ، وفي رواية ( نهى عن بيع أرض بيضاء سنتين أو ثلاثا ) وفي رواية ( نهى عن الحقول ) وفسره جابر بكراء الأرض ، ومثله من رواية أبي سعيد الخدري ، وفي رواية ابن عمر : ( كنا نكري أرضنا ثم تركنا ذلك حين سمعنا حديث رافع بن خديج ) وفي رواية عنه : ( كنا لا نرى بالخبر بأسا حتى كان عام أول فزعم رافع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ) وفي رواية عن نافع ( أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من خلافة معاوية ثم بلغه آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأنا معه فسأله فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع . فتركها ابن عمر ) وفي رواية عن حنظلة بن قيس قال : ( سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق . فقال : [ ص: 152 ] لا بأس به إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ، ويسلم هذا ويهلك هذا ، فلم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه ، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به ) وفي رواية ( كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه ، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا ) وفي رواية عن عبد الله بن معقل بالعين المهملة والقاف قال : ( زعم ثابت - يعني ابن الضحاك - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وقال : لا بأس به )

أما ( الماذيانات ) فبذال معجمة مكسورة ثم ياء مثناة تحت ، ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوق هذا هو المشهور ، وحكى القاضي عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهي مسايل المياه ، وقيل : ما ينبت على حافتي مسيل الماء . وقيل : ما ينبت حول السواقي . وهي لفظة معربة ليست عربية

[ ص: 153 ] وأما قوله : ( وأقبال ) فبفتح الهمزة أي أوائلها ورءوسها ، والجداول جمع جدول وهو النهر الصغير كالساقية ، وأما الربيع فهو الساقية الصغيرة وجمعه أربعاء كنبي وأنبياء وربعان كصبي وصبيان . ومعنى هذه الألفاظ أنهم كانوا يدفعون الأرض إلى من يزرعها ببذر من عنده على أن يكون لمالك الأرض ما ينبت على الماذيانات وأقبال الجداول ، أو هذه القطعة والباقي للعامل فنهوا عن ذلك لما فيه من الغرر فربما هلك هذا دون ذاك وعكسه .

واختلف العلماء في كراء الأرض فقال طاوس والحسن البصري : لا يجوز بكل حال سواء أكراها بطعام أو ذهب أو فضة أو بجزء من زرعها لإطلاق حديث النهي عن كراء الأرض . وقال الشافعي وأبو حنيفة وكثيرون : تجوز إجارتها بالذهب والفضة وبالطعام والثياب وسائر الأشياء سواء كان من جنس ما يزرع فيها أم من غيره ولكن لا تجوز إجارتها بجزء ما يخرج منها كالثلث والربع وهي المخابرة . ولا يجوز أيضا أن يشترط له زرع قطعة معينة وقال ربيعة : يجوز بالذهب والفضة فقط ، وقال مالك : يجوز بالذهب والفضة وغيرهما إلا الطعام ، وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وجماعة من المالكية وآخرون : تجوز إجارتها بالذهب والفضة وتجوز المزارعة بالثلث والربع وغيرهما ، وبهذا قال ابن شريح وابن خزيمة والخطابي وغيرهم من محققي أصحابنا وهو الراجح المختار وسنوضحه في باب المساقاة إن شاء الله تعالى .

فأما طاوس والحسن فقد ذكرنا حجتهما ، وأما الشافعي وموافقوه فاعتمدوا بصريح رواية رافع بن خديج وثابت بن الضحاك السابقين في جواز الإجارة بالذهب والفضة ونحوهما ، وتأولوا أحاديث النهي تأويلين : أحدهما حملها على إجارتها بما على الماذيانات أو بزرع قطعة معينة أو بالثلث والربع ونحو ذلك كما فسره الرواة في هذه الأحاديث التي ذكرناها ، والثاني حملها على كراهة التنزيه والإرشاد إلى إعارتها كما نهى عن بيع الغرر نهي تنزيه بل يتواهبونه ونحو ذلك . وهذان التأويلان لا بد منهما أو من أحدهما للجمع بين الأحاديث . وقد أشار إلى هذا التأويل الثاني البخاري وغيره ومعناه عن ابن عباس ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية