صفحة جزء
باب من اعترف على نفسه بالزنى

1691 وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد حدثني أبي عن جدي قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال له يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه قال ابن شهاب فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه ورواه الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري بهذا الإسناد أيضا وفي حديثهما جميعا قال ابن شهاب أخبرني من سمع جابر بن عبد الله كما ذكر عقيل وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر وابن جريج كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية عقيل عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة
قوله في الرجل الذي اعترف بالزنا ( فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه من جوانبه حتى أقر أربع مرات فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل به جنون ؟ فقال : لا . فقال : هل أحصنت ؟ قال : نعم فقال : اذهبوا به فارجموه ) . احتج به أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهما في أن الإقرار بالزنا لا يثبت ولا يرجم به المقر حتى يقر أربع مرات ، وقال مالك والشافعي وآخرون : يثبت الإقرار به بمرة واحدة ويرجم ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ) ولم يشترط عددا ، وحديث الغامدية ليس فيه إقرارها أربع مرات ، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء إقراره أربع مرات في أربع مجالس .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( أبك جنون ؟ ) إما قاله ليتحقق حاله ، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على الإقرار بما يقتضي قتله من غير سؤال ، مع أن له طريقا إلى سقوط الإثم بالتوبة ، وفي الرواية الأخرى : ( أنه سأل قومه عنه فقالوا : ما نعلم به بأسا ) وهذا مبالغة في تحقيق حاله ، وفي صيانة دم المسلم ، وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل ، وأن الحدود لا تجب عليه ، وهذا كله مجمع عليه .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( هل أحصنت ؟ ) فيه أن الإمام يسأل عن شروط الرجم من الإحصان وغيره ، سواء ثبت بالإقرار أم بالبينة ، وفيه مؤاخذة الإنسان بإقراره .

قوله : ( حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات ) هو بتخفيف النون أي كرره أربع مرات .

وفيه التعريض للمقر بالزنا بأن يرجع ، ويقبل رجوعه بلا خلاف .

[ ص: 341 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( اذهبوا به فارجموه ) فيه جواز استنابة الإمام من يقيم الحد ، قال العلماء : لا يستوفي الحد إلا الإمام أو من فوض ذلك إليه ، وفيه دليل على أنه يكفي الرجم ، ولا يجلد معه ، وقد سبق بيان الخلاف في هذا .

قوله : ( فرجمناه بالمصلى ) قال البخاري وغيره من العلماء : فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد ، إذ لو كان له حكم المسجد تجنب الرجم فيه وتلطخه بالدماء والميتة ، قالوا : والمراد بالمصلى مصلى الجنائز ، ولهذا قال في الرواية الأخرى : ( في بقيع الغرقد ) وهو موضع الجنائز بالمدينة ، وذكر الدارمي من أصحابنا أن المصلى الذي للعيد ولغيره إذا لم يكن مسجدا هل يثبت له حكم المسجد ؟ فيه وجهان : أصحهما : ليس له حكم المسجد . والله أعلم .

قوله : ( فلما أذلقته الحجارة هرب ) هو بالذال المعجمة وبالقاف أي أصابته بحدها .

قوله : ( فأدركناه بالحرة فرجمناه ) اختلف العلماء في المحصن إذا أقر بالزنا فشرعوا في رجمه ثم هرب ، هل يترك أم يتبع ليقام عليه الحد ؟ فقال الشافعي وأحمد وغيرهما : يترك ولا يتبع لكي أن يقال له بعد ذلك ، فإن رجع عن الإقرار ترك ، وإن أعاد رجم ، وقال مالك في رواية وغيره : أنه يتبع ويرجم ، واحتج الشافعي وموافقوه بما جاء في رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا تركتموه حتى أنظر في شأنه " ، وفي رواية : ( هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه ) واحتج الآخرون بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ذنبه مع أنهم قتلوه بعد هربه ، وأجاب الشافعي وموافقوه عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع ، وقد ثبت إقراره فلا يتركه حتى يصرح بالرجوع ، قالوا : وإنما قلنا : لا يتبع في هربه لعله يريد الرجوع ، ولم نقل إنه سقط الرجم بمجرد الهرب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية