صفحة جزء
باب الضيافة ونحوها

48 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح العدوي أنه قال سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا وما جائزته يا رسول الله قال يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه وقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
قوله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا : وما جائزته يا رسول الله ؟ قال : يومه وليلته ، والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه وقال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وفي رواية : ( الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه قالوا : يا رسول الله وكيف يؤثمه ؟ قال : يقيم عنده ولا شيء له يقريه به ) وفي رواية : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم .

هذه الأحاديث متظاهرة على الأمر بالضيافة والاهتمام بها وعظيم موقعها ، وقد أجمع المسلمون على الضيافة ، وأنها من متأكدات الإسلام ، ثم قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة - رحمهم الله تعالى - والجمهور : [ ص: 393 ] هي سنة ليست بواجبة ، وقال الليث وأحمد : هي واجبة يوما وليلة ، وقال أحمد - رضي الله عنه - : هي واجبة يوما وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن ، وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها على الاستحباب ومكارم الأخلاق وتأكد حق الضيف كحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم أي متأكد الاستحباب ، وتأولها الخطابي - رضي الله عنه - وغيره على المضطر . والله أعلم .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليكرم ضيفه جائزته يوما وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام ) قال العلماء : معناه الاهتمام به في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من بر وإلطاف ، وأما في اليوم الثاني والثالث فيطعمه ما تيسر ، ولا يزيد على عادته ، وأما ما كان بعد الثلاثة فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، قالوا : وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه ) معناه : لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث حتى يوقعه في الإثم ; لأنه قد يغتابه لطول مقامه ، أو يعرض له بما يؤذيه ، أو يظن به ما لا يجوز ، وقد قال الله تعالى : اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم وهذا كله محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث من غير استدعاء من المضيف ، أما إذا استدعاه وطلب زيادة إقامته ، أو علم أو ظن أنه لا يكره إقامته فلا بأس بالزيادة ، لأن النهي إنما كان لكونه يؤثمه ، وقد زال هذا المعنى ، والحالة هذه . فلو شك في حال المضيف هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا ؟ لا تحل الزيادة إلا بإذنه لظاهر الحديث . والله أعلم .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) . فقد سبق شرحه مبسوطا في كتاب الإيمان ، وفيه التصريح بأنه ينبغي له الإمساك عن الكلام الذي ليس فيه خير ولا شر ; لأنه مما لا يعنيه ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، ولأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام . وهذا موجود في العادة وكثير . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية