صفحة جزء
باب المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين

1770 وحدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن عبد الله قال نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت قال فما عنف واحدا من الفريقين
قوله : ( نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة ، وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت فما عنف واحدا من الفريقين ) هكذا رواه مسلم : ( لا يصلين أحد الظهر ) ، ورواه البخاري في باب صلاة الخوف من رواية ابن عمر أيضا قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، وقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلي ولم يرد ذلك منا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يعنف واحدا منهم ) أما جمعهم بين الروايتين في كونها الظهر والعصر ، فمحمول على أن هذا الأمر كان بعد دخول وقت الظهر وقد صلى الظهر بالمدينة بعضهم دون بعض ، فقيل للذين لم يصلوا الظهر : لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة ، وللذين صلوا بالمدينة : لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة ، ويحتمل أنه قيل للجميع : [ ص: 444 ] ولا تصلوا العصر ولا الظهر إلا في بني قريظة ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا : لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة ، وللذين ذهبوا بعدهم : لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة . والله أعلم .

وأما اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - في المبادرة بالصلاة عند ضيق وقتها ، وتأخيرها ، فسببه أن أدلة الشرع تعارضت عندهم بأن الصلاة مأمور بها في الوقت ، مع أن المفهوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يصلين أحد الظهر أو العصر إلا في بني قريظة ) المبادرة بالذهاب إليهم ، وألا يشتغل عنه بشيء لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه من حيث إنه تأخير ، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى لا إلى اللفظ ، فصلوا حين خافوا فوت الوقت ، وأخذ آخرون بظاهر اللفظ وحقيقته فأخروها ، ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين ، لأنهم مجتهدون ، ففيه : دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ، ومراعاة المعنى ، ولمن يقول بالظاهر أيضا .

وفيه أنه لا يعنف المجتهد فيما فعله باجتهاده إذا بذل وسعه في الاجتهاد ، وقد يستدل به على أن كل مجتهد مصيب ، وللقائل الآخر أن يقول لم يصرح بإصابة الطائفتين ، بل ترك تعنيفهم ، ولا خلاف في ترك تعنيف المجتهد وإن أخطأ إذا بذل وسعه في الاجتهاد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية