صفحة جزء
باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم

2163 حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر قال سمعت أنسا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثني إسمعيل بن سالم حدثنا هشيم أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر عن جده أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم
قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) وفي رواية : ( إن أهل الكتاب يسلمون علينا ، فكيف نرد عليهم ؟ قال : قولوا : وعليكم ) وفي رواية : ( إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول [ ص: 321 ] أحدهم : السام عليكم فقل : عليك ) وفي رواية : ( فقل وعليك ) وفي رواية ( إن رهطا من اليهود استأذنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ، فقالت عائشة : بل عليكم السام واللعنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله قالت : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : قد قلت : وعليكم ) وفي رواية : ( قد قلت عليكم ) بحذف الواو وفي الحديث الآخر : ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) .

اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا ، لكن لا يقال لهم : وعليكم السلام ، بل يقال : عليكم فقط ، أو وعليكم . وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها ( مسلم ) ( عليكم ) ( وعليكم ) بإثبات الواو وحذفها ، وأكثر الروايات بإثباتها ، وعلى هذا في معناه وجهان : أحدهما أنه على ظاهره ، فقالوا : عليكم الموت ، فقال : وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء ، وكلنا نموت .

والثاني أن الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك ، وتقديره : وعليكم ما تستحقونه من الذم . وأما حذف الواو فتقديره بل عليكم السام . قال القاضي : اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك ، وقال غيره : بإثباتها كما هو في أكثر الروايات . قال : وقال بعضهم : يقول : عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة ، وهذا ضعيف . وقال الخطابي : عامة المحدثين يروون هذا الحرف ( وعليكم ) بالواو ، وكان ابن عيينة يرويه بغير واو . قال الخطابي : وهذا هو الصواب ، لأنه إذا حذف ( الواو ) صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة ، وإذا ثبت ( الواو ) اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه . هذا كلام الخطابي . والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات ، وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ، ولا مفسدة فيه ، لأن السام الموت ، وهو علينا وعليهم ، ولا ضرر في قوله بالواو .

[ ص: 322 ] واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به ، فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ، ووجوب رده عليهم بأن يقول : وعليكم ، أو عليكم فقط ، ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ) وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم ( فقولوا : وعليكم ) وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف .

وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام ، روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز ، وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي ، لكنه قال : يقول : السلام عليك ، ولا يقول : عليكم بالجمع . واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث ، وبإفشاء السلام ، وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ) وقال بعض أصحابنا : يكره ابتداؤهم بالسلام ، ولا يحرم ، وهذا ضعيف أيضا ، لأن النهي . للتحريم . فالصواب تحريم ابتدائهم .

وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب ، وهو قول علقمة والنخعي . وعن الأوزاعي أنه قال : إن سلمت فقد سلم الصالحون ، وإن تركت فقد ترك الصالحون . وقالت طائفة من العلماء : لا يرد عليهم السلام ، ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك ، وقال بعض أصحابنا : يجوز أن يقول في الرد عليهم : وعليكم السلام ، ولكن لا يقول : ورحمة الله . حكاه الماوردي ، وهو ضعيف مخالف للأحاديث والله أعلم .

ويجوز الابتداء بالسلام على جمع فيهم مسلمون وكفار ، أو مسلم وكفار ، ويقصد المسلمين للحديث السابق أنه صلى الله عليه وسلم سلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين .

التالي السابق


الخدمات العلمية