صفحة جزء
باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته

2327 حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه ح وحدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل وحدثنا زهير بن حرب وإسحق بن إبراهيم جميعا عن جرير ح وحدثنا أحمد بن عبدة حدثنا فضيل بن عياض كلاهما عن منصور عن محمد في رواية فضيل ابن شهاب وفي رواية جرير محمد الزهري عن عروة عن عائشة وحدثنيه حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحو حديث مالك
قولها : ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ) فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها .

قال القاضي : ويحتمل أن يكون تخييره صلى الله عليه وسلم هنا من الله تعالى ، فيخيره فيما فيه عقوبتان ، أو فيما بينه وبين الكفار من القتال وأخذ الجزية ، أو في حق أمته في المجاهدة في العبادة أو الاقتصار ، وكان يختار الأيسر في كل هذا قال : وأما قولها : ( ما لم يكن إثما ) فيتصور إذا خيره الكفار والمنافقون ، فأما إن كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين فيكون الاستثناء منقطعا .

قولها : ( وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ) وفي رواية : ( ما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى ) معنى ( نيل منه ) أصيب بأذى من قول أو فعل . وانتهاك حرمة الله تعالى هو ارتكاب ما حرمه .

قولها : ( إلا أن تنتهك حرمة الله ) استثناء منقطع . معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى ، وانتقم ممن ارتكب ذلك .

في هذا الحديث الحث على العفو والحلم واحتمال الأذى [ ص: 477 ] والانتصار لدين الله تعالى ممن فعل محرما أو نحوه . وفيه أنه يستحب للأئمة والقضاة وسائر ولاة الأمور التخلق بهذا الخلق الكريم ، فلا ينتقم لنفسه ، ولا يهمل حق الله تعالى . قال القاضي عياض ، وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه ، ولا لمن لا يجوز شهادته له .

التالي السابق


الخدمات العلمية