صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب الحث على ذكر الله تعالى

2675 حدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد ولم يذكر وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا
[ ص: 173 ] [ ص: 174 ] [ ص: 175 ] قوله عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي } قال القاضي : قيل : معناه بالغفران له إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا ، والكفاية إذا طلب الكفاية . وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو ، وهذا أصح .

قوله تعالى : { وأنا معه حين يذكرني } أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية . وأما قوله تعالى : وهو معكم أينما كنتم فمعناه بالعلم والإحاطة .

قوله تعالى : { إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي } قال المازري : النفس تطلق في اللغة على معان : منها الدم ، ومنها نفس الحيوان ، وهما مستحيلان في حق الله تعالى ، ومنها الذات ، والله تعالى له ذات حقيقة ، وهو المراد بقوله تعالى : في نفسي ومنها الغيب ، وهو أحد الأقوال في قوله تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أي ما في غيبي ، فيجوز أن يكون أيضا مراد الحديث ، أي إذا ذكرني خاليا أثابه الله وجازاه عما عمل بما لا يطلع عليه أحد .

قوله تعالى : { وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم } هذا مما استدلت به المعتزلة ومن وافقهم على تفضيل الملائكة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، واحتجوا أيضا [ ص: 176 ] بقوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فالتقييد بالكثير احتراز من الملائكة ، ومذهب أصحابنا وغيرهم أن الأنبياء أفضل من الملائكة لقوله تعالى في بني إسرائيل : وفضلناهم على العالمين والملائكة من العالمين . ويتأول هذا الحديث على أن الذاكرين غالبا يكونون طائفة لا نبي فيهم ، فإذا ذكره الله في خلائق من الملائكة ، كانوا خيرا من تلك الطائفة .

قوله تعالى : { وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة } هذا الحديث من أحاديث الصفات ، ويستحيل إرادة ظاهره ، وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات ، ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة ، وإن زاد زدت ، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة ، أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود ، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه .

قوله تعالى في رواية محمد : ( وإذا تلقاني بباع جئته أتيته ) هكذا هو في أكثر النسخ : ( جئته أتيته ) وفي بعضها ( جئته بأسرع ) فقط ، وفي بعضها ( أتيته ) وهاتان ظاهرتان والأول صحيح أيضا والجمع بينهما للتوكيد ، وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ . والله أعلم .

قوله : ( جبل يقال له جمدان ) هو بضم الجيم وإسكان الميم .

قوله صلى الله عليه وسلم : ( سبق المفردون قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ) هكذا الرواية فيه : ( المفردون ) بفتح الفاء وكسر الراء المشددة ، وهكذا نقله القاضي [ ص: 177 ] عن متقني شيوخهم ، وذكر غيره أنه روي بتخفيفها وإسكان الفاء ، يقال : فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد ، وأفرد ، وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذاكرين الله كثيرا والذاكرات ، تقديره : والذاكراته ، فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رءوس الآي ، ولأنه مفعول يجوز حذفه ، وهذا التفسير هو مراد الحديث ، قال ابن قتيبة وغيره : وأصل المفردين الذين هلك أقرانهم ، وانفردوا عنهم ، فبقوا يذكرون الله تعالى ، وجاء في رواية : ( هم الذين اهتزوا في ذكر الله ) أي : لهجوا به وقال ابن الأعرابي : يقال : فرد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي .

التالي السابق


الخدمات العلمية