صفحة جزء
290 وحدثنا أحمد بن جواس الحنفي أبو عاصم حدثنا أبو الأحوص عن شبيب بن غرقدة عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها فبعثت إلي عائشة فقالت ما حملك على ما صنعت بثوبيك قال قلت رأيت ما يرى النائم في منامه قالت هل رأيت فيهما شيئا قلت لا قالت فلو رأيت شيئا غسلته لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري
( باب حكم المني )

فيه ( أن رجلا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة : إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه فإن لم تر نضحت حوله . لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلي فيه ) وفي الرواية الأخرى : ( كنت أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي الرواية الأخرى : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب ) وفي الرواية الأخرى : ( أن عائشة قالت للذي احتلم في ثوبيه وغسلهما : هل رأيت فيهما شيئا ؟ قال : لا . . . قالت : فلو رأيت شيئا غسلته ، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسا بظفري ) .

اختلف العلماء في طهارة مني الآدمي ، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته ، إلا أن أبا حنيفة قال : يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا ، وهو رواية عن أحمد ، وقال مالك : لا بد من غسله رطبا ويابسا ، وقال الليث : هو نجس ولا تعاد الصلاة منه ، وقال الحسن : لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن [ ص: 530 ] كان كثيرا ، وتعاد منه في الجسد إن قل ، وذهب كثيرون إلى أن المني طاهر ، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين ، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث ، وقد غلط من أوهم أن الشافعي - رحمه الله - تعالى - منفرد بطهارته . ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل . ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك ، فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره ، قالوا : ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزه واختيار النظافة . والله أعلم .

هذا حكم مني الآدمي ، ولنا قول شاذ ضعيف : أن مني المرأة نجس دون مني الرجل ، وقول أشذ منه أن مني المرأة والرجل نجس ، والصواب أنهما طاهران ، وهل يحل أكل المني الطاهر ؟ فيه وجهان أظهرهما : لا يحل لأنه مستقذر ، فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا ، وأما مني باقي الحيوانات غير الآدمي فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وحيوان طاهر ومنيها نجس بلا خلاف ، وما عداها من الحيوانات في منيه ثلاثة أوجه : الأصح : أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره ، والثاني : أنها نجسة . والثالث : مني مأكول اللحم طاهر ، ومني غيره نجس . والله أعلم .

وأما ألفاظ الباب : ففيه ( خالد بن عبد الله عن خالد عن أبي معشر ) واسمه زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي . وأما ( خالد ) الأول فهو الواسطي الطحان . وأما ( خالد ) الثاني فهو الحذاء وهو خالد بن مهران أبو المنازل بضم الميم البصري . وفيه قولها : ( كان يجزئك ) هو بضم الياء وبالهمز . وفيه ( أحمد بن جواس ) هو بجيم مفتوحة ثم واو مشددة ثم ألف ثم سين مهملة . وفيه ( شبيب بن غرقدة ) هو بفتح الغين [ ص: 531 ] المعجمة وإسكان الراء وفتح القاف . وفيه قولها : ( فلو رأيت شيئا غسلته ) هو استفهام إنكار حذفت منه الهمزة ، تقديره : أكنت غاسله معتقدا وهو غسله ، وكيف تفعل هذا وقد كنت أحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسا بظفري ولو كان نجسا لم يتركه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكتف بحكه ، والله أعلم .

وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة ، وفيها خلاف مشهور عندنا وعند غيرنا والأظهر طهارتها ; وتعلق المحتجون بهذا الحديث بأن قالوا الاحتلام مستحيل في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم ، فلا يكون المني الذي على ثوبه - صلى الله عليه وسلم - إلا من الجماع ، ويلزم من ذلك مرور المني على موضع أصاب رطوبة الفرج ، فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المني ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك ، وأجاب القائلون بنجاسة رطوبة فرج المرأة بجوابين أحدهما : جواب بعضهم أنه يمتنع استحالة الاحتلام منه - صلى الله عليه وسلم - وكونها من تلاعب الشيطان بل الاحتلام منه جائز - صلى الله عليه وسلم - ، وليس هو من تلاعب الشيطان ، بل هو فيض زيادة المني يخرج في وقت ، والثاني : أنه يجوز أن يكون ذلك المني حصل بمقدمات جماع فسقط منه شيء على الثوب ، وأما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية